لقد عاد التضخم مرة أخرى، وهو يلحق الضرر بالجميع. إذ أدى تزايد النشاط الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية معاً في عام 2021 إلى دفع التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008 (الشكل 1). وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بلغ التضخم أعلى معدلاته منذ عام 2011، حيث يتجاوز اليوم المستويات المستهدفة في أكثر من نصف هذه الاقتصادات التي لديها إطار لتحديد أهداف التضخم.
و بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية. وتعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح. وفيما يتعلق بالبلدان الأقل دخلاً، قد يؤدي اضطراب الإمدادات، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، إلى زيادة التعرض لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي. وقد يتسبب اضطراب سلاسل الإمداد في تفاقم الضغوط التي تنجم عن التضخم على نطاق واسع.
أما فيما يتعلق بالكثير من الأسر في جميع أنحاء العالم، فإن ارتفاع معدلات التضخم يشكل تحدياً كبيراً. فالأسعار المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور والمدخرات الحقيقية، مما يجعل الأسر أكثر فقراً. إلا أن الشعور بهذه الآثار يتفاوت من فئة إلى أخرى: حيث تكون الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع معدلات التضخم من الأسر الأكثر ثراءً. ويعكس هذا الأمر تركيبة دخلهم، وما لديهم من ممتلكات، وأنواع سلة سلعهم الاستهلاكية. وعلى الرغم من ذلك، قد يكون تأثير التضخم على الأسر الأشد فقراً التي تعيش تحت خط الفقر العالمي غير مباشر على نحو أقل. ويُعزى ذلك الأمر إلى أن الأسر الأشد فقراً لديها حد أدنى من الدخل من الأجور، أو الممتلكات. وهي تعتمد في العادة على الدخل غير النقدي – مثل الزراعة التي تحقق حد الكفاف، أو المقايضة – التي قد تكون أقل عرضة لمخاطر التضخم.
(الشكل 2). وغالباً ما يتجاوز تضخم الأسعار النمو في الأجور والتحويلات، في حين قد يكون من الأرجح أن يواكب الدخل من العمل الحر والدخل من الاستثمار معدلات التضخم. وعلى هذا النحو، يمكن للتضخم أن يقلل من دخل الأسر الأفقر مقارنة بدخل الأسر الأكثر ثراءً. ويتشابه هذا الوضع بين اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ففي البرازيل، على سبيل المثال، يمثل الدخل من العمل الحر ومن الاستثمار نسبة أكبر من دخل الأسر مرتفعة الدخل مقارنة بنسبته في دخل بالأسر منخفضة ومتوسطة الدخل. على الرغم من ذلك، تعتمد الأسر الأشد فقراً أيضاً على الدخل غير النقدي.
الشكل 2. مصادر دخل الأسر
تركيبة الممتلكات المالية
. على سبيل المثال، لدى جميع الأسر تقريباً في الولايات المتحدة حسابات معاملات أو حسابات جارية في إحدى المؤسسات المالية. ومع ذلك، يوجد عدد أقل بكثير من الأسر لديه مدخرات أو أدوات استثمارية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوزيع غير متوازن إلى حد كبير: فاحتمال أن يكون لدى الرُبْيع الأكثر ثراءً من الأسر الأمريكية شهادات إيداع يبلغ خمسة أضعاف الاحتمال بالنسبة للأسر الأشد فقراً، وستة أضعاف احتمال حيازة سندات الادخار، واثني عشر ضعف احتمال امتلاك صناديق استثمار.
باختصار، يؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى تفاقم عدم المساواة أو الفقر لأن تأثيره على دخل الأسر الأفقر أو متوسطة الدخل ومدخراتها يكون أشد مقارنة بنا يلحق بالأسر الثرية. وربما تجد الأسر التي تمكنت من الإفلات من الفقر في الآونة الأخيرة نفسها تسقط مرة أخرى في براثنه بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
تركيبة سلة الاستهلاك
في الواقع، يمكن للأسر مرتفعة الدخل التحول بسهولة من سلع أعلى جودة إلى سلع أقل جودة. ويمكنها أيضاً الاستفادة على نحو أكبر من الخصومات على عمليات الشراء والمبيعات بالجملة. وبطبيعة الحال، لا تتاح هذه الخيارات للأسر الفقيرة. ويتم حساب مقاييس تضخم أسعار المستهلك باستخدام سلة السلع التي تمثل استهلاك الشخص العادي. إلا أن التركيبة الفعلية للإنفاق تختلف اختلافاً كبيراً حسب شرائح الدخل. على سبيل المثال، تنفق الأسر الأقل دخلاً في بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نحو 50% من دخلها للحصول على المواد الغذائية. أما الأسر الأعلى دخلاً، فلا تتجاوز نسبة إنفاقها على المواد الغذائية 20% من دخلها (الشكل 3). ويمكن أن تُحدث الزيادة الأخيرة في أسعار الغذاء والطاقة تأثيراً غير متناسب على الأسر الأشد فقراً. وفي أوقات الأزمات الاقتصادية،
تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الغذاء إلى زيادة معدلات الفقر بصفة عامة. ففي الاقتصادات النامية المتوسطة، يعمل أكثر من خُمس عدد الأسر – التي توجد حول خط الفقر أو تحته – في مجال بيع المواد الغذائية ولا يشترونها. ومن ثم، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يصب في مصلحتهم. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الفقراء في الاقتصادات النامية مشترين للمواد الغذائية ولا يبيعونها، لذلك
ما يمكن لواضعي السياسات عمله
دأبت الحكومات منذ فترة على اللجوء إلى تقديم الدعم للأسر لتخفيف تأثير التضخم عليها. في بعض الحالات، يمكن أن يصبح الدعم أداة انتقالية فعالة للتخفيف من تأثير الصدمات. إلا أن عملية تقديم الدعم تستمر لفترة طويلة للغاية، مما يؤدي دائماً إلى حدوث آثار سلبية. فسرعان ما قد ينتقص الدعم من الإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم. و
ومما يثير القلق أن حكومات عديدة تدرس حالياً اللجوء إلى القيود على التجارة وحظر التصدير لحماية عمليات توريد المواد الغذائية المحلية. ويجب على تلك الحكومات الامتناع عن هذا الأمر. فسياسات من هذا القبيل التي تبدو مناسبة على مستوى بلد ما قد تكون لها عواقب عالمية وخيمة. ففي ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في 2010-2011، أدت القيود التجارية إلى تفاقم الزيادة في الأسعار العالمية ودفعت ملايين الأشخاص إلى براثن الفقر، على الرغم من أنها قللت من ارتفاع الأسعار المحلية.
ومن ثم، يتعين على واضعي السياسات بدلاً من ذلك الاستعانة بسياسات الرعاية الاجتماعية لحماية الأشخاص الأشد فقراً من ارتفاع الأسعار. ومن الممكن أن تشمل هذه السياسات شبكات أمان موجهة مثل التحويلات النقدية، والمواد الغذائية، والتحويلات العينية، وبرامج التغذية المدرسية، وبرامج الأشغال العامة. ويوفر حساب مؤشرات التضخم لشرائح الدخل المختلفة معلومات أفضل عن التضخم الذي يعاني منه الفقراء بالفعل، ويجب أن يوجه تصميم شبكات الأمان الاجتماعي. و
بالإضافة إلى ذلك، فإن البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تحركت بسرعة لكبح جماح التضخم. وعند اتخاذ أي قرار بشأن ما يجب فعله بعد ذلك، يجب على مسؤولي تلك البنوك أن يضعوا في اعتبارهم الآثار المحتملة على معدلات الفقر وعدم المساواة. ويمكن للحكومات أيضاً تحسين قدرتها على الحصول على الأدوات المالية التي قد تحمي القيمة الحقيقية لممتلكات الأسر الفقيرة من التضخم – وسيساعد تحفيز مزيد من المنافسة في القطاع المالي على تحقيق هذه النتيجة.