HomeNews

البنك الدولى : التعلم من مسيرة المملكة العربية السعودية نحو التعليم الرقمي والتعليم عن بعد

بعد يوم واحد فقط من إغلاق المدارس في المملكة العربية السعودية سعياً لاحتواء جائحة فيروس كورونا، استطاع 6 ملايين طفل في المملكة الحصول على خدمات التعليم عن بعد عبر دروس مُسجلة من خلال قنوات تلفزيونية وقنوات اليوتيوب 

تم تخصيصها لهذا الغرض – وهو الإنجاز الذي تحقق بفضل الاستثمارات السابقة في التعليم عن بعد.

يقول أحد الطلاب السعوديين: “استطعت من خلال التعليم عن بعد تعميق حبي للبحث عن المعلومات وحل المشكلات بعدة طرق، وعززت من الاعتماد على ذاتي”.

وضعت القرارات التي اتُّخِذت خلال صيف 2020 المملكة العربية السعودية في خِضَمِّ مسيرةٍ وصفها أحد الطلاب بأنها “كسر لحاجز الخوف من المشاركة وارتكاب الأخطاء”، ووصفها أحد المشرفين التربويين بأنها وفرت “فرصة للجميع لتعليم أنفسهم.” وساعدت عملية التحول نحو التعلم الرقمي على تحقيق معدل رضا بلغ 93% بين أولياء الأمور (بما فيهم نسبة 50% الذين أعربوا عن “رضا كبير”) عن العام الدراسي 2020-2021.  

يُؤرخ تقرير جديد للقرارات التي ارتبطت بهذه المسيرة ويُحلل النتائج المنبثقة عن دراسة دقيقة للتعليم الرقمي والتعليم عن بعد في المملكة أجراها البنك الدولي ووزارة التعليم في الوقت الفعلي لتفشي جائحة كورونا. وتضمنت هذه الدراسة مسوحاً استقصائية مثلت الفئات المعنية على الصعيد الوطني وشملت 18,000 عينة تقريباً من الطلاب والمعلمين ومديري المدارس والمشرفين وأولياء الأمور فضلاً عن الملاحظات التي تم تسجيلها فيما يخص الفصول الدراسية الافتراضية، ومجموعات النقاش المعمق والمقابلات التي أجُريت.

وضع الروابط بين الطالب والمعلم في طليعة الأولويات

كان من أهم القرارات التي اتُّخِذت وضعُ الروابط بين الطالب والمعلم في طليعة الأولويات وذلك من خلال تجربة مدرسة افتراضية باستخدام منصة مُصمَّمة خصيصاً تسمى “مدرستي” ، وهي تحتوي على مجموعة من الأدوات الخاصة بتخطيط عملية التدريس، وتقنية عقد الاجتماعات عبر الفيديو، بجانب الكتب والألعاب التعليمية والمعامل الافتراضية وعناصر الاختبار وغيرها. ولعل تجربة المملكة العربية السعودية المتراكمة في استخدام تقنيات التعليم في العقد الماضي وفّرت القدرات اللازمة لتحقيق هذا التحول.

وبالنسبة للأطفال الذين كانوا بحاجة إلى دعم إضافي، فقد تم توفير خيارات للقيام بزيارات شخصية للمدارس؛ فالقرار الذي ألزم مديري المدارس أن يتواجدوا في مباني المدارس ومن المعلمين أن يحضروا إلى المدارس ليوم واحد في الأسبوع أعطى إشارةً واضحة بأن المدارس ليست مغلقة أمام الطلاب، بل يمكن الوصول إليها رغم توفير نظام التعليم عن بعد بشكل أساسي.  بشكل عام، سجل 98% من الطلاب دخولهم من خلال منصة “مدرستي” في مرحلة ما، وأكثر من 80% من الطلاب في المتوسط تم تسجيل دخولهم في أي أسبوع من أسابيع الدراسة.

إن الاتصال بالمدرسة الافتراضية لم يتصف دائماً بالسهولة، حيث إن 59% من المعلمين وجدوا أن ضعف الاتصالات بالإنترنت شكَّل مشكلة أساسية، ووجد 67% منهم صعوبة في إشراك الطلاب في العملية التعليمية طوال الحصص الدراسية.

توفير الأدوات اللازمة للمعلمين وتشجيع الابتكار

أما القرار الثاني المهم فقد تمثل في توفير أدوات ذات جودة عالية للمعلمين لمساعدتهم على تقديم تجربة فصول افتراضية تتمتع بمحتوى تعليمي ممتع.، وتشجعهم على الابتكار وتبادل الممارسات. عُرضت أيضاً على المعلمين تجارب الدروس النموذجية واستخدموا تقنيات تعليم شائعة الاستخدام. وعيَّنت كل مدرسة أحد مُعلميها ليصبح نقطة اتصال بشأن قضايا التعيلم الإلكتروني بينما ساعد المشرفون على نشر أفضل الممارسات بين المعلمين.

التركيز على إدارة التغيير والتواصل

أَولى القرار الثالث اهتماماً كبيراً بإدارة التغيير، فقد تضمن ذلك التأكيد على أن كل الجوانب التقنية المتعلقة بمنصة “مدرستي” تعمل بسلاسة، جنباً إلى جنب مع إدماج دوائر إبداء الآراء والملاحظات في نظام المنصة، وتوفير مركز اتصال مخصص لذلك، وتهيئة غرفة للدردشة المباشرة عبر شبكة الإنترنت.. وكان منفذ “العودة للمدارس” بمثابة منصة للمعلومات أشبه بالمحطة الموحدة لأولياء الأمور والطلاب والمعلمين للحصول على المعلومات من أجل ضمان تجربة ناجحة في التعليم الإلكتروني. وقد أفاد نحو 80% من المعلمين وأولياء الأمور بأن تجربة التعليم الرقمي والتعليم عن بعد قد أدت إلى توثيق الأواصر بين الطلاب والمعلمين. 

النتائج المتوقعة

لم يتسنَّ بعد قياس الأثر المترتب على مسيرة المملكة العربية السعودية في تحصيل الطلاب من خلال قياس مقارن وموحد قبل الجائحة وبعدها. بيد أن معظم التربويين أفادوا بأن التعليم الرقمي والتعليم عن بعد يتسم بالفعالية، حيث ذكر 68% من المعلمين و61% من مديري المدارس أن التحصيل الأكاديمي للطلاب كان أعلى من السنوات الماضية. ومع ذلك ذكر نحو نصف الطلاب أنهم كانوا سيتعلمون بشكل أفضل إذا ما عادوا إلى الدراسة الحضورية المعروفة. 

اعتقد معظم المعلمين أن الطلاب قد حصلوا على مهارات في المعرفة الرقمية، والتعلم المستقل، والعمل الجماعي، والتفكير النقدي.  ومع ذلك، فقد رأى المعلمون أن هناك فرصاً ضائعة أمام الطلاب تتمثل في تطوير المهارات الاجتماعية، وأبدوا بعض المخاوف نحو شعور الطلاب بالعزلة والافتقار للتواصل الاجتماعي مع أقرانهم.

وإذا استحضرنا تجارب الدول الأخرى من كل أنحاء العالم، فمن الراجح حدوث نتائج طويلة المدى تنعكس في خسائر في التعلم في المملكة العربية السعودية رغم تدابير التخفيف بجانب اتساع التفاوتات وأوجه عدم المساواة. على سبيل المثال، تشير التقديرات الأخيرة للبنك الدولي توقع خسارة بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي نتيجة لإغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا..   

الحاجة لوضع الطلاب صغار السن في طليعة الأولويات

كانت تجربة التعليم الرقمي والتعليم عن بعد في المملكة أكثر صعوبة على الطلاب صغار السن، كما هو الحال في البلدان الأخرى. ومن غير الراجح أن يحظى طلاب المدارس الابتدائية بأجهزتهم الرقمية الخاصة بهم للتعلم. ومن الراجح أن يشعر طلاب المدارس الابتدائية بأنهم سيتعلمون بشكل أفضل إذا ما عادوا إلى الدراسة الحضورية (58% من طلاب المدارس الابتدائية مقارنة بمعدل 50% من طلاب المدارس المتوسطة والمدارس الثانوية). بينما أفاد عدد قليل من مديري المدارس الابتدائية أن نهج التعليم المُدمج يعتبر مؤثراً: رأي ذلك 33% من مديري المدارس الابتدائية مقارنة بمعدل 53% من مديري المدارس المتوسطة والثانوية.

رغم الكثير من الإنجازات التي تحققت في ظل استجابة المملكة العربية السعودية للتحديات التعليمية التي واجهتها في أثناء جائحة كورونا، فقد أعرب معظم المعلمين وأولياء الأمور ومديري المدارس عن رغبتهم في العودة إلى الدراسة الحضورية في أقرب فرصة ممكنة (كانت معدلات استجابتهم 63%، و72%، و75% على التوالي). منذ مطلع العام الدراسي 2021-2022 عاد طلاب المدارس المتوسطة والثانوية الذين تلقوا تطعيماً ضد الفيروس إلى المدارس على الأقل جزئياً. وإلى حين عودتهم إلى المدارس في يناير 2022، تلقَّى طلاب المدارس الابتدائية تعليمهم بشكل كامل من خلال التعليم الرقمي والتعليم عن بعد مما يعني أنهم واجهوا أطول فترات الابتعاد من معلميهم وأقرانهم على الصعيد العالمي.

المسيرة لم تنته بعد

أقرت وزارة التعليم السعودية بالحاجة إلى تحويل قصص النجاح والدروس المستفادة إلى ممارسات مستدامة، فينبغي على سبيل المثال دعم الطلاب الأقل حظاً والمتعثرين، والحد من التباين في أداء المعلمين، والتخطيط لوضع استراتيجية طويلة المدى وذات أهداف واضحة للتعلم المُدمج، وتوفير الأجهزة الرقمية والاتصال بالإنترنت لجميع الطلاب والمعلمين.

وفي هذه الأثناء، يمكن القول أن تعزيز التواصل، ووضوح الأدوار والمسؤوليات، والتركيز على تعزيز العلاقات بين الطالب والمعلم، وتوفير الأدوات والموارد للمعلمين نتيجة للاستجابة للتحديات التي فرضتها الجائحة تُبشِّر بمستقبلٍ مشرقٍ في تحقيق الأهداف التي وضعتها المملكة في برنامجها لتنمية القدرات البشرية  التابع لرؤيتها لعام 2030 والساعي لإعداد المواطنين للتصدي لتحديات سوق العمل العالمي واغتنام الفرص التي يتيحها في المستقبل.

بقلم

أندرياس بلوم

Andreas Blom
مدير الممارسات العالمية في التعليم بالبنك الدولي
Show More
Back to top button
error: Content is Protected :)