فى طفولتنا كنا اشبه بالأسماك التي لا تستطيع أن تتنفس بغير الماءا
بعيدا عن النيل الذي يعد حبلا سريا لدى كل مبدع مصري ، ترد إشارات البحر كثيرا في أشعاري ،
هوميروس الاغريقى كان سباقا فى ادب البحر فى الالياذة والاوديسا قبل ارنست هيمنجواى او ابسن
مثلما قال الاديب الفرنسى فيكتور هوجو ” كل صخرة هى حرف وكل بحيرة هى عبارة وكل مدينة هى وقفة فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لى هناك دائما شئ من ظلال السحب او زبد البحر ” بهذا الفكر الفيكتورى تري كتابات الكاتب والمفكر المصرى حزين عمر حيث قوة الكلمة لديه فى كل ابداعاته رغم ان فلاسفة الاغريق القدامى قد عبروا عن كرههم للكتابة بسبب خشيتهم من قوتها
وحينما تستعرض الفيلسوف والكاتب الفرنسى رولان بارت وبالمناسبه درس بارت فى باريس ومصر فمن حيث تجربته في الكتابة، تجده مثال ساطع على حرية التفكير والنقد، بل هو كما يوصف مغامر فكري، وطلائعي، خارج من كل الأطر التقليدية والإيديولوجية، متمسك بالحلم الإنساني، حتى وإن بدا ملتبساً وغامضاً في طروحاته فهل مفكرنا وكاتبنا الكبير حزين عمر على الدرب لرولان بارت ؟
فى حوار حصري مع المفكر والكاتب الكبير حزين عمر وهو حوار له مذاق خاص لانه بطعم البحر يرصد فيه ان ادب البحر كان موجودا منذ القدم حيث الالياذة والاوديسا للشاعر الاغريقى هوميروس وكانت احداثها تدور اغلبها فى البحر قبل هيمنجواى وروايته العجوز والبحر او هنريك ابسن ومسرحيته حورية من البحر
مشيرا الى ان أدباء سوريا ولبنان وفلسطين يرتبطون بالبحر أكثر من ارتباط أدباء مصر لذا خرج منهم اديب البحر العربى الراحل حنا مينة فى طفولتنا كنا اشبه بالأسماك التي لا تستطيع أن تتنفس بغير الماءا
وقد اعتبر المفكر والكاتب الكبيرحزين عمر وهو صاحب صالون حزين عمر الثقافى بنقابة الصحفيين المصريين ان البحر هو الجد الاعظم وشيخنا الاحكم لكن كاتبنا الكبير فكر فى حيلة شيطانية مثلما قال فى حوار ترى ما تلك الحيلة ؟
علامات استفهام كثيرة تبحث عن اجابات تشبع جوفها وكان اول الخيط فى هذا الحوار
* الأدب هو الأدب رغم أنه قد خرجت تصنيفات عديدة ، مثل أدب المرأة أو الأظافر الطويلة وأدب الرحلات وأدب البحر .. ما رأيكم في تلك التصنيفات ؟؟
* هذه تصنيفات مستحدثة ، تعتمد على موضوع التناول ، لا على شكله أو جنسه الأدبي . فالمعروف في تاريخ الأدب والنقد الأدبي أن أجناس الأدب هي : الشعر ، القصة ، الرواية ، المسرح ، أدب الأطفال ،التراجم ، السيرة الذاتية ، الأمثال ، الحِكَم ، المقالة ، المقامة ، سجع الكهان ، الرجمة الأدبية ..ويصنف أمين الخولي ” القرآن الكريم ” كجنس أدبي مستقل ، فيرى أن هناك شعرا ونثرا وقرآنا ..ومعظم الأجناس الأدبية التي ذكرناها تنتمي لفن النثر ، أما الشعر فيشمل أجناسا أخرى ، منها : القصيدة ، الملحمة الشعرية ، القصة الشعرية ، الشعر الدرامي ، المسرح الشعري السيرة الشعرية ،الرواية الشعرية .. وجنس الرواية الشعرية هذا نادر جدا ، وأحدث ما كتبته هو ( آخر أخبار الجنة ) ينتمي لفن الرواية الشعرية النادر هذا ..
وبالمناسبة حاول أن أجسِّد هذه الأجناس الشعرية بأنواعها المخلفة : ففي الملحمة الشعرية كتب ( اليوم العاشر ) ، وفي السيرة الشعرية كتبت ( المطرود منكِ آبَ إليكِ) ،بالإضافة طبعا إلى فن القصيدة التي صدر في ديوان … كدواويني : فصل من التارخ الخاص ، والميلاد غدا ، ومذكرات فلاح ، و وهج ، و أنت رائحة الغناء ، و حالات البنت المجنونة .
هيمنجواى والالياذة والاوديسا
** إرنست هيمنجواي قدم الأدب البحري في ( العجوز والبحر ) وهنريك إبسن كمسرح في ( حورية من البحر ) ..ما رأيك إذن في الأدب البحري ؟؟لماذا لم يجد انتشارا في مصر ؟؟
* ما يمكن أن نسميه “أدب البحر ” سواء أكان شعرا أم قصة أم رواية أم مسرحا أم ملحمة ، فن قديم جدا ، وأقدم من هيمنجواي وهنريك إبسن ..وأرى أن الأب الأول لهذا الفن هو الشاعر الإغريقي الأعمى هوميروس : صاحب أعظم وأشهر ملحمتين في التاريخ البشري هما : الإلياذة والأوديسا ..والأوديسا هذه تجري معظم احداثها في البحر …فبعد أن شارك أوديسيوس في حرب طروادة بين أثينا وإسبرطة ــ وهو بطل من ابطال ملحمة الإلياذة ــ رأى الشاعر هوميروس أنه جدير بملحمة مستقلة له ، وحمل اسمه ( الأوديسا ) ..وكيف تعرض للأهوال في أثناء عودته إلى مملكته عبر البحر ..وطبعا تتداخل الأسطورة ــ كالجزيرة المسحورة ــ مع الواقع والجغرافيا مع الخيال في صراع أوديسيوس هذا.
وأدب البحر ــ رغم قلة إنتاجه لدينا في مصر ــ فهو محبب إلينا كقراء ، وحافل بالإدهاش بالنسبة لنا ، لأن شعبنا ليس ( شعب بحر) كاليونان مثلا ، بل هو (شعب نهر) بحكم ارتباطه بالنيل ..ولإحساس الوجدان الشعبي بعظمة البحر وقوته يسمون النيل ( بحرا) .
نتنفس من خلال بحرين
** كان حنا مينا الأديب السوري الكبير الراحل يسمى بأديب البحر العربي ..فقد كان الشام ينتشر فيه هذا النوع من الأدب ..
* أدباء سوريا ولبنان وفلسطين يربطون بالبحر أكثر من ارتباط أدباء مصر ، لأن المساحة الجغرافية والسكانية لهذه الأقطار العربية أغلبها شاطئية ، بينما نحن ( غارقون) في الصحراء !! ومتشبثون بتلابيب النيل : منقذنا من الجفاف والتصحر . وهذا لا ينفي وجود ارتباط إلى حد كبير لدى أدباء مصر لسببين : الاول أن الجغرافيا المصرية تتخللها ( بحور صغيرة ) أي بحيرا ، مثل قارون والبرلس والبردويل والمنزلة ..ولها نصيب من العبير الأدبي فيما يتصل بحياة الصيادين خصوصا ..والسبب الثاني أننا نتنفس الإطلال على العالم من خلال بحرين اثنين لا بحر واحد : المتوسط والأحمر.
** رغم أننا نملك مقومات هذا النوع من الأدب سواء في الميثولوجيا المصرية القديمة أو غيرها ..لكن الأدب المصري لم يحرص على الاهتمام به ..
* الإبداع الأدبي حصيلة عوامل عدة ن منها الميثولوجيا ، والتاريخ ن والديانات ، واللغات ..وأكثر ما خلفه لنا التاريخ من الارتباط بالماء كان إبحارنا جنوبا ــ أيام حتشبثوت وقبلها وبعدها ــ إلى أواسط إفريقيا ومنابع النيل ، من أجل التجارة غالبا والغزو أحيانا ..لكن هذا لا ينفي أن رحلات مصرية قديمة كانت تتجه في البحر المتوسط إلى بلاد الشام ولبنان تحديدا لجلب خشب الأرز من أجل بناء المعابد والقصور .. وبالنسبة للمكون اللغوي للإبداع الأدبي ، فلغتنا العربية لغة سامية ، ولدت وتطورت في الصحراء ــ بصرف النظر عن مؤثرات لغتنا المصرية القديمة فيها ــ ولذا فمفردات الصحراء وحيواناتها وأشجارها كثيرة جدا ، بينما مفردات البحر قليلة قياسا عليها .. وعلى الرغم من ذلك فقد سد بعض أدباء مصر المحثين : أحياء وأمواا ــ هذه الثغرة ، وخاصة أدباء السواحل : الإسكندرية والسويس وبورسعيد والإسماعيلية ودمياط .
الهروب من الجحيم !!
** البحر .. ماذا يمثل للمفكر والأديب الكبير حزين عمر ؟؟
* اتصالي وثيق بالبحر المجازي ، ( أي نهر النيل ) والبحر الصغير ، أي بحيرة قارون ، بحكم النشأة في محافظة الفيوم .. ففي طفولتنا كنا أشبه بالأسماك التي لا تستطيع أن تتنفس بغير الماء : نهرب كل يوم ــ وخاصة في جحيم الصيف ــ من أسرنا ، ونرمي انفسنا في مياه النيل : الترعة ، ونظل ” نبلبط ” عدة ساعات في الظهيرة ، وبعد خروجنا من الماء نطمس أرجلنا بالتراب حتى لا يبدو اثر للماء علينا !!
وتوقفت هذه الحيلة لديَّ إجباريا بعد أن أصابتنا البلهارسيا ! وعولجت منها بإحدى عشرة حقنة في ذلك الزمان المبكر !! ومن حين لآخر كنا ننظم رحلات إلى بحيرة قارون ، ونسبح فيها ، بعيدا عن الأهل وعن البلهارسيا !!
ونظرتي العامة للبحر أنه جدنا الأعظم ، وشيخنا الأحكم ..في البحر الخلود والفناء ، فيه قامت الإمبراطوريات وسقطت الدول ..ووقائعنا كمصريين فيه عظيمة : كان من أحدثها أسطول محمد علي المتجول في البحر المتوسط وموقعة نوارين ، وكذلك بطولة رجالنا في حرب الاستنزاف وإغراق المدمرة إيلا ت وغيرها ..والآن نرى جغرافية مصر تتسع إلى أواسط البحر المتوسط ، ونرى الثروات التي حرمنا منها في البر متاحة لنا في البحر ، عبر آبار الغاز في حقل ظهر وغيره .. أمجاد مصر يعاد رسمها الآن من خلال البحرين : المتوسط والأحمر .
** هل تخاف البحر وتخشى غدره أم أنك من عشاقه مهما كانت أمواجه المتلاطمة ؟!
* البحر كما ذكرت ــ هو الجد ، هو الحكيم ، هو السلطة ..والإنسان يحترم كل هذه الرموز ، وينزلها منازلها ، ويوقن بعظمتها ، لكن لا يخشاها ..فيوما ما وانا جالس على شاطئ المتوسط أو الأحمر لم أخشَ أياً منهما ، بل ينتابني هاجس أو يأسرني وهمٌ ، بأن ألقي بنفسي في الماء سابحا بدون نهاية ولا توقف !!لكن الأمر مكلف جدا !! لا يكلفني حياتي فحسب ، بل مجرد الجلوس على الشاطئ يستدعي امتلاك الملايين من الجنيهات : لتقتني شاليها أو بقعة رمل في أحضان الماء !!
البحر .. رعب العرب !!
** هل فكرت يوما أن يكون البحر مصدر إلهام لك في أعمالك الأدبية ؟؟
* بعيدا عن النيل الذي يعد حبلا سريا لدى كل مبدع مصري ، ترد إشارات البحر كثيرا في أشعاري ، كما أنني أُخِذت يوما بعالم البحر وانا جالس على شاطئه مع الادباء الاصدقاء : محمد قطب ونبيل عبد الحميد ومحمد الحسيني ــ رحمه الله ــ فكتبت صورة قلمية من وحيه ، تم نشرها بعد ذلك في مجلة ( المحيط ) التي كان يرأس تحريرها زميلنا الراحل الكاتب الدكتور فتحي عبد الفتاح ..
وبمناسبة البحر ترى أن اسم المجلة ( المحيط ) ، وترى اسم واحد من أعظم المعاجم العربية ( القاموس المحيط ) للفيروزابادي .. ومفردة القاموس نفسها تعني : المحيط العميق الواسع .. فالبحر في وجدان العرب مهول عظيم ، وقد يكون مرعبا .. ولذا قال عمر بن الخطاب : لا تجعلوا بيني وبين المسلمين بحرا .. ولم يستجب لفكرة فتح الأندلس خوفا من البحر ، حتى زالت هذه الرهبة لدى من تلاه من الحكام ، وخاصة معاوية بن أبي سفيان ، فارسل طارق بن زياد لهذه المهمة .
** تعرف أن تيتانك غزوا العالم بها .. وفي مصر مخزون إبداعي من تلك الحوادث البحرية أو غيرها ، يمكن أن تأخذ أشكالا درامية مختلفة تشق الطريق إلى العالمية .. أهو تقصير من مبدعينا أم ماذا ؟؟
* اعتدنا ــ كمفكرين ومبدعين ــ على إلقاء همة التقصير علينا دائما !!وهذا الاتهام يشبه ما يوجه من اتهام موسمي للأدباء بالقصير في العبير عن نصر أكتوبر !! على الرغم من انهم انتجوا ” أطنانا ” من الشعر والقصة والرواية والمسرح والاغاني والمسلسلات والسيرة الذاتية !!
القضية بالنسبة للبحر وإبداعه ، ليست تقصير مبدعينا .. وخاصة في العصر الحديث الذي يتزين باسم ( شاعر النيل ) حافظ إبراهيم الذي ولد في سفينة !! ثم عشرات ــ وربما مئات ــ الأعمال التي أبدعها كتاب الثغر : الإسكندرية ثم السويس وبور سعيد والاسماعيلية ودمياط ، ومنهم : مصطفى نصر واحمد شبلول وإدوار الخراط وإبراهيم عبد المجيد والسيد الخميسي وحمد جبريل ومحمد طعيمة وعزت المتبولي وأحمد أبوسمرة واحمد مبارك وسمير الفيل وفكري داود وعيد صالح وعبد النبي شلتوت وسامح درويش ..وغيرهم.
الأمر لا يعود إلى فقر الإبداع الأدبي أو توافره ، بل إلى ( جهة الإنتاج ) ، إلى المال ، إلى المؤسسة التي تتبنى أعمال المبدعين ، وتخرجها من دفتي الكتاب ــ والكتاب الآن لا يقرأه الكثيرون ــ إلى رحابة خشبة المسرح ، وشاشة السينما ، وقناة التليفزيون ، أو حتى قنوات السوشيال ميديا .
هناك قطيعة بين الفكر والمال ، أو بين من يكتب ومن ينتج .. والمحصلة هي انهيار الفن وتدهور الذائقة العامة ،واستشراء التطرف ، كما ترى !!
المجدِّف الشاب !!
** هل فكرت يوما أن تمارس نوعا من الرياضات البحرية ؟؟!
* كل يوم تنتابني هذه الفكرة ” الشيطانية ” !! وقد بدأت معي في مرحلة الشباب الأولى ، فانتظمت حينا في فريق التجديف لجامعة عين شمس ، وكنت حينها بالسنة الأولى بكلية الألسن ..ولم أكمل التجربة ، لكنها ظلت كامنة في نفسي ، ولا يحتاج تنفيذها إلا امتلاك ” حتة ” لنش و” عدة ” السباحة والغطس .. مع شاليه صغير على الساحل الشمالي !!
لو كان الأدباء ــ وخاصة من أبناء الجنوب مثلنا ــ يمتلكون رئة على البحر ، لفاضت إبداعاتهم وغطت السماء والأرض !! فالمحروم من شئ هو الأدرى بقيمته !!
** هل نظلم البحر معنا في التعامل معه ، رغم أنه مصدر خير وإلهام وعشق ؟؟!!
* من يظلم البحر هو من ينتهك حرمته ، ويتجرأ على جلاله ، ويستخف بهيبته ..فنراه يرمي نفاياته من البلاستيك ــ ملايين الأطنان كل عام ــ وغير البلاستيك ، ويصادر شوطئه فيمنعها عن الناس ، ويقود سفن البرول القديمة التي تحترق وتغرق ، ويُغرق نفطها صفاء البحر ..ولننظر الآن إلى سفينة الخزين العملاقة علي شواطئ اليمن ويوشك مخزونها من البترول أن يهوي إلى البحر لهرؤها وتآكلها ، ولا أحد يحل مشكلتها قبل تغطية الماء بحوالي مليوني طن من البترول !! من هذه الانتهاكات للبحر يختل التوازن البيئي ، وتقتل حيوانات البحر بدون جريرة ارتكبتها !