مصارف تركية كبرى أحجمت عن تمويل “قناة إسطنبول”، نتيجة مخاوف بيئية وأخطار تتعلّق بالاستثمار في مشروع بهذا الحجم.
اصوات المعارضة التركية تؤكد انه لا يمكن إرغام السفن التجارية على سلوك الطريق البديل، لافتة إلى أن القناة ستمسّ دافعي الضرائب وتؤذي البيئة
وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قناة اسطنبول المائية، التي دشن أعمال بنائها اليوم السبت، بأنها “صفحة جديدة في تاريخ تنمية تركيا”، مشددا على أهميتها بالنسبة لبلده والعالم.
وأشار أردوغان، خلال مشاركته في مراسم وضع حجر الأساس لأول جسور قناة اسطنبول (ما يعني بدء تنفيذ المشروع الذي أعلن عنه في أبريل 2011) إلى أنه يمثل “مشروعا لإنقاذ مستقبل اسطنبول”، موضحا أن كل عملية عبور لسفينة كبيرة في مضيق البوسفور تشكل مخاطر جسيمة محتملة على المدينة.
ولفت أردوغان إلى أن العدد المتوسط للسفن العابرة للبوسفور في ثلاثينيات القرن الماضي كان يقدر بنحو ثلاثة آلاف سفينة سنويا، لكن حتى اليوم بلغ هذا المؤشر 45 ألف سفينة، وتشير التقديرات إلى أنه سيصل إلى 78 ألفا بحلول عام 2050.
وقال الرئيس إن أي حوادث بحرية محتملة ستلحق ضررا ملموسا بالمضيق والبيئة في شمال غربي تركيا عموما، ولفت إلى دراسات تظهر أن قناة إسطنبول القادمة ستكون أكثر أمانا 13 مرة من مضيق البوسفور، من حيث السلامة الملاحية، مؤكدا أن هناك حاجة لهذا المشروع من أجل “حماية النسيج التاريخي والثقافي للمضيق”.
وبين الرئيس التركي أن قناة اسطنبول جرى تصميمها بحيث يمكنها استيعاب 99 بالمئة من حركة الملاحة الراهنة في المضيق، وكشف عن خطط لبناء تجمعات سكنية على ضفتي القناة بسعة اجمالية تبلغ 500 ألف نسمة، مما سيخفف الضغط على مركز إسطنبول.
وشدد على أن قناة اسطنبول التي ستصل بين بحر مرمرة والبحر الأسود تعد من المشاريع الأكثر صداقة للبيئة، مبديا قناعته بأن هذا المشروع سيكون مثالا ليس لتركيا وحدها، بل وللعالم أجمع.
وذكر أردوغان أنه تم اختيار المشروع الحالي من خمسة مشاريع متنافسة لبناء هذا الممر المائي، وسيصل طول القناة الجديدة 45 كيلومترا، وعمقها 21 مترا، وعرض قاعدتها 275 مترا على الأقل.
وأكد أردوغان أنه من المخطط استكمال بناء المشروع في غضون ست سنوات بتكلفة تقارب 15 مليار دولار، ولفت إلى أن هذا المشروع لن يكلف الميزانية التركية حتى ليرة واحدة، موضحا أنه أكبر مشروع من نوعه سيتم تمويل بنائه على حساب العائدات المقبلة.
فيما حذر فى وقت سابق زعيم المعارضة في تركيا كمال كيليجدار أوغلو، داعمين محتملين لمشروع “قناة اسطنبول”، من أنه سينبذهم إذا خسر الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المرتقبة عام 2023.
وأفادت وكالة “بلومبرغ” بأن وزير النقل التركي عادل قره إسماعيل أوغلو، أعلن، الجمعة، أن المشروع سيكلّف نحو 15 مليار دولار، مشيراً إلى أن الحكومة تخطط لبدء العمل أواخر يونيو المقبل.
وأشارت الوكالة إلى أن الممرّ المائي، الذي يبلغ طوله 45 كيلومتراً، سيكون الثاني في البلاد الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ووصفه أردوغان بأنه “مشروعه المجنون”، عند الإعلان عنه قبل نحو 10 سنوات.
وقال كيليجدار أوغلو، رئيس “حزب الشعب الجمهوري”، لموقع “تي 24” الإخباري: “إذا شاركت دولة أجنبية في هذا العطاء، فسنبتعد عنها عندما نتسلّم السلطة، لن ندفع لها إطلاقاً”. كما حذر المصارف المحلية من تقديم قروض للمشروع.
وذكرت “بلومبرغ” أن منتقدين للمشروع يبدون قلقاً من أنه سيمسّ معاهدة مونترو، المُبرمة عام 1936 والتي تنظّم عبور السفن الحربية عبر مضيقَي البوسفور والدردنيل، كما تستهدف ضمان الاستقرار في منطقة البحر الأسود.
وأشارت الوكالة إلى أن أردوغان أكد أن تركيا لن تخرج من المعاهدة، مستدركاً أنه يرى في “قناة إسطنبول” بديلاً لها، لأن المشروع سيعزز سيطرة الحكومة على حركة الشحن، من البحر الأسود وإليه.
وفي المقابل، تعتبر أحزاب المعارضة التركية أنه لا يمكن إرغام السفن التجارية على سلوك الطريق البديل، لافتة إلى أن القناة ستمسّ دافعي الضرائب وتؤذي البيئة.
ونبه رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إلى أن القناة “ستبيد” الموارد المائية لسكان أكبر مدينة في تركيا، وعددهم 16 مليون فرد، كما ستدمّر الطبيعة بشكل لا يمكن إصلاحه، وتجعل المدينة غير صالحة للسكن، لكن حكومة أردوغان رفضت هذه المخاوف.
وكانت وكالة “رويترز” أفادت بأن مصارف تركية كبرى أحجمت عن تمويل “قناة إسطنبول”، نتيجة مخاوف بيئية وأخطار تتعلّق بالاستثمار في مشروع بهذا الحجم.
وجاء موقف المصارف بعد رسالة مفتوحة وقّعها 103 أدميرالات سابقين في البحرية التركية، تنتقد المشروع، في ما اعتبره أردوغان “انقلاباً سياسياً”.
وأوقف القضاء التركي عدداً من الأدميرالات، قبل إطلاق سراحهم، كما فُتح تحقيق ضدهم بتهمة عقد “لقاء بقصد ارتكاب جريمة ضد أمن الدولة، والنظام الدستوري”.
ونقلت “رويترز” عن مصرفي بارز قوله: “لا أعتقد بأنه يمكننا المشاركة في تمويل قناة إسطنبول، لأن المشروع قد يثير قضايا بيئية”.
وأشار مصرفي ثان إلى أن البنوك الستة “ملزمة باحترام” توقيعها على اتفاق الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، معتبراً ذلك “عائقاً أمام تمويل قناة إسطنبول” التي تثير ارتياب موسكو، إذ أنها ستفتح ممراً ثانياً إلى البحر الأسود الذي يضمّ أسطولاً بحرياً روسياً.
المصدر: الأناضول