في عام 1944، غرقت السفينة “يو إس إس جونستون” بعد معركة ضد أكبر سفينة حربية في العالم. وبعد أكثر من 75 عامًا، جرى تحديد موقع حطامها أخيرًا، على بُعد ستة كيلومترات تحت سطح الماء.
في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1944، بدأت الاشتباكات الأولى لمعركة بحرية عملاقة في خليج ليتي، وهو جزء من بحر الفلبين. وكانت هذه المعركة هي الأكبر من نوعها في تاريخ البشرية الحديث.
وخلال الأيام الثلاثة التالية، واجهت أكثر من 300 سفينة حربية أمريكية حوالي 70 سفينة يابانية. وكان لدى الأمريكيين ما لا يقل عن 34 حاملة طائرات – أقل بقليل من جميع حاملات الطائرات العاملة في جميع أنحاء العالم اليوم – وحوالي 1,500 طائرة. وكان الأسطول الجوي الأمريكي يفوق نظيره الياباني بخمسة أضعاف.
وكان لهذه المعركة تأثيران رئيسيان – فقد حالت دون تدخل اليابانيين في الغزو الأمريكي للفلبين (التي كان اليابانيون قد استولوا عليها قبل أربع سنوات تقريبًا)، وأبعدت البحرية الإمبراطورية اليابانية عن العمل في الفترة المتبقية من الحرب العالمية الثانية. وغرق ما يقرب من 30 سفينة يابانية، كما تعرض العديد من السفن المتبقية – بما في ذلك أكبر سفينة حربية جرى بناؤها على الإطلاق، وهي سفينة “ياماتو” – لأضرار بالغة لدرجة أن هذه السفن ظلت إلى حد كبير رابضة على الموانئ لبقية الحرب.
ورغم أن المعركة الأوسع شهدت تفوق الولايات المتحدة على الأسطول الياباني بشكل كبير، كان هناك إجراء واحد حاسم مختلف، إذ وجدت قوة صغيرة أمريكية – فرقة العمل 77، المكونة في الأساس من مدمرات وحاملات طائرات غير مدرعة – نفسها تقاتل تشكيلًا يابانيًا أكبر بكثير.
كانت السفينة “والاشيا” قد أبحرت للتو من غلاسكو وكانت مليئة بأنواع مختلفة من البضائع، بما في ذلك حاويات كبيرة من مادة كيميائية تسمى كلوريد القصدير. لكن السفينة كانت تحمل على متنها أيضًا آلاف الزجاجات من المشروبات الكحولية، والتي حُفظ العديد منها في المياه الباردة حيث كانت السفينة تقبع في قاع البحر لأكثر من قرن.
ومنذ أن بدأ ويكمان الغوص إلى سفينة “والاشيا” في الثمانينيات من القرن الماضي، جمع عشرات الزجاجات التي تحتوي على الويسكي والنبيذ والبيرة.
لكن رحلته الأخيرة، والتي كانت عبارة عن جهد جماعي مع العديد من الغواصين المرافقين، أدت إلى شيء غير عادي، إذ سُلمت الزجاجات التي جمعوها إلى علماء في شركة أبحاث تدعى “بريولاب”، والذين تمكنوا مع زملائهم من جامعة سندرلاند من استخراج الخميرة الحية من السائل الموجود داخل ثلاث زجاجات. ثم استخدموا تلك الخميرة في محاولة لإعادة صنع الجعة الأصلية
وفي عام 2018، استخدم مشروع مماثل في جزيرة تاسمانيا خميرة من زجاجات بيرة عمرها 220 عامًا وجدت داخل حطام سفينة لتصنيع مشروب يعود للقرن الثامن عشر. لكن دراسة الخميرة المستخرجة من حطام سفينة “والاشيا” كشفت عن مفاجأة، إذ اتضح أن تلك الجعة تحتوي على نوع غير عادي من الخميرة، ويعمل الفريق الذي يقف وراء هذا العمل الآن على تقييم ما إذا كانت هذه السلالة المفقودة منذ فترة طويلة يمكن أن يكون لها تطبيقات في التخمير الحديث أو حتى يمكنها تحسين البيرة اليوم.
إنه مجرد مثال واحد على مجال البحث المتنامي بين مصانع الجعة وشركات تخمير السوائل التي تبحث عن سلالات منسية من الخميرة على أمل استخدامها بشكل جيد. وهذا يعني البحث عنها في زجاجات قديمة داخل حطام السفن، والبحث في الأواني القديمة، وجمع عينات من معامل التقطير المدمرة التي ربما لا تزال تحتوي على سلالات نادرة باقية.
ويُطلق على هذا النوع من البحث اسم “التنقيب البيولوجي”، ويمكن أن يكون لإحياء الخمائر التاريخية العديد من التطبيقات، بدءا من مكافحة التلوث وصولا إلى المساعدة في إنتاج الروائح لصناعة العطور.
وعندما بدأ ستيف هيكمان في جمع زجاجات البيرة من حطام السفينة “والاشيا” في الثمانينيات من القرن الماضي، ادعى أن هذه البيرة كانت لا تزال صالحة للشرب تقريبًا. وأحضر هو وأصدقاؤه الزجاجات إلى المنزل وسكبوها في أكواب. استقر المشروب، الذي كان عمره حوالي 100 عام في ذلك الوقت، ببطء وكون طبقة سميكة ودسمة في أعلى الكوب. لكن الأمور لم تسر على ما يرام بعد ذلك.
يقول هيكمان: “كانت رائحتها كريهة للغاية، فقد كان لها رائحة مالحة متعفنة. أعتقد أن هذا سيكون أفضل وصف لها”. ويضيف أن طعمها لم يكن جيدا.
وكان للزجاجات مفاجآت أخرى – بما في ذلك الانفجار، كما يقول هيكمان، فمع تعريضها للضغط المنخفض فوق مستوى سطح البحر، تمددت الغازات داخل الزجاجات، وهو ما أدى إلى تحطيم الزجاج في بعض الأحيان.
وذات مرة، ترك هيكمان زجاجة على طاولة المطبخ في منزل والديه، فانفجرت بينما كانوا في غرفة أخرى، وهو ما أدى إلى انتشار الجعة النتنة المتحللة في كل مكان. ويتذكر هيكمان أن عملية التنظيف قد استغرقت وقتًا طويلاً.