دور المنظمة البحرية الدولية في الحيلولة دون تلوث المحيطات العالم الناجم عن السفن والشحن البحري
بقلم كيتاك ليم
الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية
الشحن هو أحد المهام الرئيسية التي تتم في المحيطات، حيث يتولى توصيل ما يزيد عن 80% من التجارة العالمية، ونقل ركاب العبارات إلى وجهاتهم، وحمل ملايين السياح من خلال الرحلات البحرية. وهناك أكثر من 50,000 سفينة عابرة للبحار تحمل فيما بينها أكثر من 10 مليار طن1 من البضائع الحيوية والمطلوبة، بما يشمل السلع والوقود والمواد الخام والبضائع الاستهلاكية
ونظراً لأن المنظمة البحرية الدولية (IMO) هي هيئة تابعة الأمم المتحدة، ويقع على عاتقها مسؤولة وضع واعتماد إجراءات لتحسين سلامة وأمن الشحن الدولي، والحيلولة دون حدوث تلوث من السفن، فإنها تقوم بدور حيوي في تلبية الأهداف الواردة في هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDG) رقم 14: وهو المحافظة بشكل مستدام على المحيطات والبحار والموارد البحرية لتحقيق التنمية المستدامة.
لقد تواكبت الزيادة في عدد وحجم السفن، وكذلك حجم الشحنات التي تم نقلها خلال العقود الخمسة الماضية، مع عمل المنظمة البحرية الدولية، وذلك من خلال الدول الأعضاء البالغ عددها 172 دولة، لإنشاء إطار عمل قانوني وفني، والذي أصبح الشحن من خلاله أكثر نظافة وأكثر أمناً بشكل متصاعد. إلا أنه مازال هناك بالطبع أعمال ينبغي القيام بها. وستواصل المنظمة البحرية الدولية جهودها، بالتعاون مع الدول الأعضاء وغيرها من المنظمات، لتنفيذ ودعم تنفيذ لوائحها.
تأسست المنظمة البحرية الدولية بموجب اتفاقية عام 1948، وركزت في البداية على السلامة والملاحة البحرية. ثم في الستينات، أصبح العالم أكثر دراية بحالات انسكاب النفط في المحيطات والبحار من خلال الحوادث، أو كنتيجة لممارسات التشغيل الرديئة. ونتيجة أحداث التلوث النفطي الرئيسية، مثل كارثة توري كانيون (Torrey Canyon) قبالة الساحل الجنوبي الغربي للمملكة المتحدة في عام 1967، بدأت المنظمة البحرية الدولية في تنفيذ برنامج عمل طموح يتعلق بمنع التلوث البحري والاستجابة له، وكذلك بجوانب المسؤولية والتعويض. وكان من النتائج الرئيسية التصديق على الاتفاقية الدولية لمنع التلوث الناجم عن السفن في عام 1973، المعروفة عالمياً باسم اتفاقية (MARPOL).
ومنذ البداية، لم يقتصر عمل الاتفاقية على التلوث الناجم عن السفن فقط (الوارد في الملحق الأول)، بل تناول أيضاً المواد السائلة الضارة، مثل المواد الكيميائية، التي تُحمل بكميات ضخمة (الملحق الثاني)؛ والمواد الضارة التي تُحمل في طرود مغلفة (الملحق الثالث)؛ وتصريف مياه المجاري في البحر (الملحق الرابع)؛ والتخلص من القمامة الناتجة عن السفن في البحر (الملحق الخامس). وبموجب الملحق الخامس، ينطبق الحظر العام على تصريف جميع أنواع القمامة من السفن، بينما يخضع التخلص من المواد البلاستيكية لحظر كامل قابل للتطبيق عالمياً.
وفي وقت لاحق، في عام 1997، أضافت المنظمة البحرية الدولية (IMO) مرفقاً سادساً للاتفاقية الدولية لمنع التلوث الناجم عن السفن (MARPOL)، وهو يتناول التلوث الجوي الناجم عن السفن. واليوم، يتناول المرفق السادس اليوم تلوث الهواء الناجم عن الكبريت والانبعاثات الضارة الأخرى، مثل أكاسيد النيتروجين ومواد الجسيمات. وفي عام 2011، أصبحت المنظمة البحرية الدولية (IMO) أول هيئة رقابية دولية في قطاع النقل تقوم باعتماد متطلبات ملزمة لكفاءة استخدام الطاقة، تنطبق على جميع السفن عالمياً، بصرف النظر عن نمط التجارة أو دولة العلم، وتهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة في أنشطة الشحن الدولي.
كما يتضمن المرفق السادس للاتفاقية أيضاً اللوائح المتعلقة بالمواد المستنفدة للأوزون، والمركبات العضوية المتطايرة، ومحارق السفن، ومرافق الاستقبال، ونوعية نفط الوقود. جميع هذه الإجراءات لها أثر ملموس ومفيد على البيئة الجوية، وكذلك على صحة الإنسان بالنسبة للأشخاص المقيمين في المدن القريبة من الموانئ، والمجتمعات الساحلية، أو بالقرب منها.
وبموجب المرفق السادس من اتفاقية (MARPOL)، تم تحديد مناطق التحكم في الانبعاثات (ECA) لأكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين، بنسبة 0.10 بالمئة من الكتلة على أساس (كتلة/ كتلة) على الكبريت في زيت الوقود. وفي خطوة تشير إلى التزام المنظمة البحرية الدولية (IMO) الواضح بضمان وفاء عمليات الشحن بالالتزامات البيئية لديها، سيتم تخفيض الحد العالمي للكبريت خارج مناطق التحكم في الانبعاثات إلى 0.50 بالمئة (كتلة/ كتلة)، بعد أن كانت 3.5 بالمئة (كتلة/ كتلة)، وذلك بدءاً من 1 كانون الثاني/ يناير 2020.
واليوم، فإن اتفاقية (MARPOL) بعد أن خضعت للتوسيع والتنقيح والتحديث، لا تزال أهم معاهدة دولية، وأكثرها شمولاً، تتناول منع التلوث البحري والتلوث الجوي الناتج عن السفن لأسباب تشغيلية أو عرضية. ومن خلال توفير أساس متين للتناقص الكبير والمستمر في التلوث الصادر عن السفن، لا تزال الاتفاقية ملائمة للهدف منها حتى اليوم.
وتدرك اتفاقية (MARPOL) أيضاً الحاجة إلى متطلبات أكثر صرامة لإدارة ما يسمى بالمناطق الخاصة وحمايتها، وذلك بسبب بيئتها وحركة المرور البحري فيها. فقد تم تحديد إجمالي 19 منطقة خاصة، وهي تشمل البحار المغلقة أو شبه المغلقة، مثل مناطق البحر الأبيض المتوسط، وبحر البلطيق، والبحر الأسود، والبحر الأحمر، ومساحات أوسع بكثير من المحيطات مثل المياه الجنوبية لجنوب أفريقيا ، ومياه أوروبا الغربية. ويمثل هذا التقدير للمناطق الخاصة، واللوائح العالمية، دليلاً واضحاً على إدراك المنظمة البحرية الدولية (IMO) ، والتزامها الكامل، بالأهمية القصوى لحماية بحار ومحيطات العالم والحفاظ عليها باعتبارها نظم حيوية لدعم الحياة لجميع الشعوب.
حظيت منطقة القطب الجنوبي بوضع “المنطقة الخاصة” منذ عام 1992، حيث تم تماماً حظر تصريف الفضلات الزيتية في البحر والتخلص من القمامة من سطح السفن إلى البحر. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ تفعيل الحظر الكامل على نقل أو استخدام زيوت الوقود الثقيلة في 1 آب/ أغسطس 2011، بموجب لائحة جديدة من الملحق الأول لاتفاقية (MARPOL). وتستفيد المياه القطبية أيضاً من الإجراءات الخاصة التابعة للقانون القطبي للمنظمة البحرية الدولية (IMO)، والذي دخل حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/ يناير 2017، والخاص بالسفن العاملة في كل من مياه القطب الجنوبي والقطب الشمالي
ويوجد لدى المنظمة البحرية الدولية (IMO) أيضاً عملية لتحديد “المناطق البحرية الحساسة بوجه خاص” (PASSA)، والتي تخضع لإجراءات الحماية المرتبطة بها، مثل النظم الإلزامية لمسارات السفن. وتوجد حالياً 14 منطقة (بالإضافة إلى حالتي توسع) تتمتع بالحماية بموجب هذه الطريقة، بما يشمل المناطق التي تغطي المواقع البحرية للتراث العالمي لليونسكو، مثل الحاجز المرجاني العظيم (أستراليا)، وأرخبيل جالاباجوس (الإكوادور)، والنصب الوطني البحري باباهاناوموكواكيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وبحر وادن (الدانمرك، وألمانيا، وهولندا). إن هذه العملية المتأصلة منذ القدم لتحديد المناطق الخاصة، وتحديد المناطق البحرية الحساسة بوجه خاص، تدعم بالكامل الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في زيادة تغطية المناطق البحرية المحمية.
وبينما تستهدف اتفاقية (MARPOL) عمليات التصريف العرضية والتشغيلية من أعمال السفن، فإن المنظمة البحرية الدولية (IMO) تتناول أيضاً التلوث البحري من المصادر البرية بشكل نشط، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، من خلال اتفاقية لندن لمنع التلوث البحري الناجم عن إلقاء النفايات والمواد الأخرى، لعام 1972، والبروتوكول التابع لها والصادر في 1996. وينتهج البروتوكول أسلوباً وقائياً يحظر تصريف النفايات في البحر، فيما عدا بنود قليلة محددة على قائمة النفايات المسموح بها، مثل المواد المجرفة.
يسهم نظام اتفاقية وبروتوكول لندن أيضاً في التخفيف من آثار تغير المناخ وذلك عن طريق تنظيم استخلاص الكربون واحتجازه في التشكيلات الجيولوجية تحت سطح البحر، وتوفير اللوائح والإرشادات الخاصة بكيفية تقييم المقترحات المتعلقة بالهندسة الجيولوجية البحرية.
وتبدأ عملية التصديق على كل هذه الإجراءات في المنظمة البحرية الدولية (IMO) بمنتديات هيكلية، تقوم فيها الدول الأعضاء بمناقشة الإجراءات الشاملة التي تهدف إلى تحقيق الشحن الآمن والمستدام بأقل قدر ممكن من التأثير السلبي على البيئة، ومن ثم الموافقة على هذه الإجراءات والتصديق عليها.
ويلي ذلك المسار الأساسي للتنفيذ. وتعمل المنظمة البحرية الدولية (IMO) مع العديد من أصحاب المصلحة والشركاء بهدف بناء القدرات والخبرات فيما بين الدول الأعضاء فيها، من أجل صياغة معايير المنظمة في تشريعاتها البحرية الوطنية، ومن ثم تنفيذ وتطبيق هذا التشريع بفعالية.
تتمتع المنظمة البحرية الدولية (IMO) بتاريخ طويل من العمل مع الجهات المانحة الرئيسية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، ومرفق البيئة العالمية (GEF)، والوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي، والوكالة الكورية للتعاون الدولي، ومنظمات الشحن والمنظمات البحرية، مثل رابطة صناعات النفط والغاز العالمية للشؤون البيئية والاجتماعية (IPIECA).
لقد تم تنفيذ عدد ضخم من المشروعات البيئية البحرية، بدعم من مجموعة من المنظمات الإقليمية، بما في ذلك أمانة برنامج البيئة الإقليمية لمنطقة المحيط الهادي، والمركز الإقليمي للاستجابة لحالات التلوث البحري الطارئة في البحر الأبيض المتوسط، والمنظمة الإقليمية لحفظ الطبيعة وبيئة البحر الأحمر وخليج عدن، والمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، ولجنة حماية البحر الأسود من التلوث، وبرنامج البيئة التعاونية لجنوب آسيا.
تتبوأ المنظمة البحرية الدولية (IMO) مركز الصدارة في سلسلة من المشروعات القائمة على نموذج عالمي للشراكة معروف باسم غلو إكس (Glo-X)، والذي يتم استخدامه بهدف التعجيل بالإصلاحات القانونية والمنهجية والمؤسسية في الدول النامية لتنفيذ الاتفاقيات الدولية، وفي الوقت نفسه، لتحقيق الاستفادة من الشراكات مع القطاع الخاص وتعجيل البحث والتطوير والابتكارات التكنولوجية من خلال تشكيل تحالفات صناعية عالمية وتسهيل تبادل المعلومات.
إن مشروع شراكات جلوبالاست (GloBallast Partnerships Project) خلال الفترة 2007 إلى 2017، هو مبادرة مشتركة بين مرفق البيئة العالمية (GEF)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNPD)، والمنظمة البحرية الدولية (IMO)، وقد حقق هذا المشروع نجاحاً فيي مساعدة الدول النامية على الحد من نقل الكائنات المائية ومسببات الأمراض الضارة المحتملة في مياه صابورة السفن، وكذلك في تنفيذ اتفاقية إدارة مياه الصابورة (BWM) التابعة للمنظمة البحرية الدولية (IMO). وستدخل اتفاقية إدارة مياه الصابورة (BWM) حيز التنفيذ في سبتمبر/ أيلول 2017، وسوف تتطلب من السفن إدارة مياه الصابورة لديها لتجنب نقل الكائنات المائية الضارة ومسببات الأمراض، وحماية البيئة البحرية، وصحة الإنسان، والممتلكات والموارد.
وهناك مشروع آخر للشراكات العالمية، ألا وهو مشروع الشراكة العالمية لفعالية الطاقة البحرية (GloMEEP) التابع لمرفق البيئة العالمية (GEF)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNPD)، والمنظمة البحرية الدولية (IMO)، والذي يعمل في 10 دول أساسية رائدة (الأرجنتين والصين وجورجيا والهند وجامايكا وماليزيا والمغرب وبنما والفلبين وجنوب أفريقيا). ويهدف هذا المشروع إلى إقامة شراكات عالمية وإقليمية ووطنية لبناء القدرة على التعامل مع كفاءة الطاقة البحرية، أو بعبارة أخرى، معالجة انبعاثات غازات الدفيئة من السفن، ومن أجل أن تضع الدول هذا المبدأ في الإطار الأساسي للسياسات والبرامج والحوارات التنموية لديها
وهناك مشروع آخر قائم حالياً ويموله الاتحاد الأوروبي، وهو الشبكة العالمية (GMN) لمركز التعاون في مجال التكنولوجيا البحرية (MTCC)، والذي يتولى إنشاء شبكة عالمية تتكون من خمسة مراكز للتعاون التكنولوجي (MTCC) في أفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية ومنطقة المحيط الهادي. والهدف من هذا المشروع هو مساعدة الدول المستفيدة منه في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة من قطاعات الشحن التابعة لها والحد منها. وسيشجع المشروع على استيعاب تقنيات كفاءة الطاقة من خلال نشر المعلومات التقنية المعرفة الفنية.
ومن خلال هذه الشبكة من مراكز التعاون التكنولوجي (MTCC)، سيتيح المشروع للدول النامية في هذه المناطق، وخاصة الدول الأقل نمواً والدول النامية المؤلفة من جزر الصغيرة، في تنفيذ إجراءات كفاءة الطاقة في مجال النقل البحري بشكل فعال من خلال المساعدة التقنية وبناء القدرات. وسيدعم كل من مشروع (GloMEEP) و(GMN) الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية (IMO) في التخفيف من آثار تغير المناخ، وهو الغاية الرئيسية للهدف رقم 13 من أهداف التنمية المستدامة (SDG).
ومن الشراكات الأخرى المتعلقة بالمحيطات، والتي تشارك فيها المنظمة البحرية الدولية (IMO) كطرف وأمانة عامة، مجموعة الخبراء المشتركة للجوانب العلمية لحماية البيئة البحرية (GESAMP)، والتي تقدم المشورة لنظام الأمم المتحدة بشأن المكونات العلمية لحماية البيئة البحرية. وتقوم المجموعة بتقييم المخاطر البيئية للمواد الضارة المحمولة بواسطة السفن، وتستعرض استخدامات “المواد الفعالة” التي ستستخدم في نظم إدارة مياه الصابورة، مما يوفر معطيات للعملية الرقابية في المنظمة البحرية الدولية (IMO). كما تقدم المجموعة نظرة عامة منظمة عن القضايا الجديدة والناشئة، بهدف إخطار المنظمات التسع التابعة للأمم المتحدة بها.
وأسهمت التقارير الرئيسية الأخيرة التي أعدتها مجموعة (GESAMP) بشأن اللدائن الدقيقة في المحيطات، في توسيع نطاق المعرفة بمصادر ومصير القمامة البحرية في المحيطات، وبخاصة اللدائن الدقيقة. كما تشارك المنظمة البحرية الدولية (IMO) منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في إدارة مصادر القمامة البحرية في البحر، وذلك من خلال الشراكة العالمية بخصوص القمامة البحرية، والتي يديرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
إن سجل أعمال المنظمة البحرية الدولية (IMO) في الحد من التلوث الناجم عن السفن، سواء في البحار والمحيطات أو في الغلاف الجوي، غني عن الشرح. وتلتزم المنظمة التزاما تاماً بالعمل من خلال الدول الأعضاء فيها، ومع شركائها، على مواصلة وضع مجموعة من اللوائح العالمية والمحافظة عليها وتنفيذها، لضمان الاستخدام المستدام للمحيطات