HomeLittle Politics
مجدى صادق يكتب : ارقصى يااوكرانيا .. فقلبك من نار
مجدى صادق
تضيق روسيا الخناق العسكري على أوكرانيا، من كل الجهات، بينما تنفي رسميا أي نية للغزو، بينما يؤكد خبراء آخرون أن “الحرب قادمة لا محالة”.
وأكد حليف مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أن غزو أوكرانيا سيستغرق 48 ساعة كحد أقصى، وفقا لما نشرته صحيفة “ميرور”.
وقال كونستانتين مالوفيف، الذي يدير مجموعة استثمارية وإعلاما مؤيدا للكرملين بشدة، لوسائل إعلام، إن الأمر سيستغرق يومين للسيطرة على أوكرانيا.
وقال: “لا يمكن أن يكون الصراع العسكري المفتوح بين روسيا وأوكرانيا حربا، أو على الأقل حربا طويلة الأمد، لأن الاختلاف في الإمكانات العسكرية كبير جدا بحيث لا يمكن أن تكون هناك سوى عملية لإرغام السلام”.
وأضاف: “سيستغرق الأمر 48 ساعة كحد أقصى، ولا يمكننا التحدث عن جبهات مختلفة.”
ظل حلم “أوكرانيا” يراود “فلاديميير بوتين” ويقلق مضجعه ففى لقاء مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قال “إن أوكرانيا يمكن أن تزول من الوجود فى حال انضمامها إلى الناتو”!! أى لو أنها خرجت من بيت الطاعة الروسى!!
حتى أنه قال مستطردًا “هل تعلم ياجورج إن أوكرانيا لا تملك مقومات الدولة؟ فماذا تكون أوكرانيا؟ إن جزءًا من أراضيها مستقطع من شرق أوروبا والجزء الآخر وهو الأعظم حصلت عليه كهدية من روسيا”!!
لكن رغم وجود معاهدة احترام الحدود البرية بين البلدين حتى ولو كانت على سبيل الهدية إلا أن بوتين يريد استرداد الهدية بل وابتلاع كل أوكرانيا!!
فقد كان الزعيم السوفييتي الراحل نيكيتا خروشوف قد منح بموجب اتفاقية القرم إلى أوكرانيا عام 1954 رغم أن عمر استقلال أوكرانيا فقط 17 عاماً حيث حصلت على استقلالها عام 1991.. إلا أنها أصبحت “لقمة سائغة” فى فم فلاديمير بوتن وهو يريد التهامها، خاصة أن الحدود الروسية الاوكرانية يصل طولها 180 كيلومترًا فقط أى فى لمح البصر!
والقرم تمثل شريان لزراعة الحبوب وأيضا كل من دونتيسك ولوهانسك من أكبر القلاع الصناعية فى اوكرانيا ولان الاقتصاد الروسى يعانى كثيرًا فى ظل ميزانية للدفاع والتسلح 2011 – 2020 تقدر بـ 19 تريليون روبل أو 647 مليار دولار امريكى بسعر عام 2011 لذا دائم البحث عما يلتهمه من حوله سواء كانت جورجيا أو أوكرانيا !
فهو ذات طموحات جيوسياسية جارفة لاستعادة الامبراطورية الروسية التى تفكّكت على ايدى بروسترويكا جورباتشوف والجلاسونست (الأمريكى الصنع!)
أوكرانيا بلد متعدد العرقيات والاثنيات والعقائد واللغات وهو مقسم بين شرق يتحدث اللغة الروسية وغرب يتحدث اللغة الاوكرانية , والشرق يعتبرون روسيا بلدهم حتى الرئيس السابق يانوكوفيتش واحدًا من هؤلاء وقد فر هاربا الى روسيا وقد ترك الخزانة العامة لدولته خاوية على عروشها !
أما الغرب فهو متحمس للانضمام للاتحاد الأوروبى وحلف الناتو وهو ما جعل قيادات روسيا سواء الرئيس بوتين أو حتى وزير خارجيته سيرجى لافروف يهدد ويتوعد عندما قال “إن روسيا ستبذل كل ما فى وسعها من اجل الحيلولة دون انضمام أوكرانيا وجورجيا الى الناتو “
وفى 2014 قامت المظاهرات فى أوكرانيا ضد الفساد للاطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحكومته والذى عزز ثروته بل وكان يستورد الغاز الروسى بأغلى الأسعار مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى وهى ثورة ربيع قزوينى بنفس سيناريو ما سموها ثورة الربيع العربى فى مصر يناير 2011 وقد كانت هذه بداية ركوب الثورة مثلما فعل الاخوان فى مصر لكن السلطة لم تكن فى حسابات الكرملين فقط فى 27 فبراير2014 دخل مسلحون روس فى ملابس مدنية يقتحمون شبه جزيرة القرم التى تقع فى جنوب أوكرانيا وممرها على البحر الأسود ونجحوا في السيطرة على البرلمان القرمى ومطارين وعدد من المنشآت الاستراتيجية وقد نقضت روسيا كل الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية بودابست عام 1994 والتى تعهدت فيها روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة بضمان أمن أوكرانيا مقابل أن تتنازل أوكرانيا عن سلاحها النووى لكنها فى مارس احتلت روسيا القرم وهو ما يعتبر إلقاء تلك الاتفاقيات عرض أقرب حائط !!
لذا كانت دعوة ايجور سميشكو الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الأوكرانى ردًا على الموقف الروسى من اتفاقية بودابست بإعادة تسليح الجيش الأوكراني ومده بالسلاح النووى !
حتى أن دول مجموعة النورماندى (ألمانيا وفرنسا واوكرانيا وروسيا) تحاول تطبيق أحكام اتفاقية مينسك للسلام والتى تضمّنت 13 بندًا على رأسها وقف اطلاق النار فى مقاطعات شرق أوكرانيا وإجراء الانتخابات المحلية وفق نظام الحكم الذاتى والدستور فى مقاطعتى دونيتسك ولوهانسك والتى سيطرت عليهما القوات الروسية دون خطوة تذكر!
وقد اعتقلت روسيا الكثير من المواطنين الأوكرانيين ومنهم عضو البرلمان الأوكرانى ناديا سافتشينكو والمخرج السينمائى اوليج سينتسوف عدا ما خلفه الغزو الروسى من تشريد اكثر من مليون اوكرانى !
فكيف يحدث هذا وروسيا عضوا فيما يسمى بالتحالف الدولى لمكافحة الإرهاب فى الأراضى السورية فى الوقت الذى تمارس فيه الإرهاب أمام المجتمع الدولى على الأراضى الأوكرانية ونحن نعلم أن أوكرانيا عضو غير دائم فى مجلس الامن الدولى وقد تم اختيارها بدعم من 177 دولة لكن بوتين يريد إبقاء أوكرانيا فى فلك روسيا مثلما حدث مع جورجيا وهددت روسيا بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الواردة من أوكرانيا فقط لو اقتربت ” كييف ” من الاتحاد الأوروبى بعد ان تحول شرق أوكرانيا لمأوى من العصابات والانفصاليين الذين تدعمهم روسيا لوجيستيا وماليًا وإعلاميًا وتمدهم بالسلاح والعتاد فى دولة يمثل حجم الديون الخارجية له بما يتجاوز 60 مليار دولار على حد تصريحات فلاديمير جرويسمان رئيس الوزراء الأوكرانى.
فى حين أن أوكرانيا تملك مقومات اقتصادية كبيرة تؤهلها لتصبح دولة ذات عوائد اقتصادية عالية فى الوقت الذى تسعى فيه ” كييف ” لبناء نظام بأسس اوروبية وقد وقعت العديد من الاتفاقيات فى هذا الشأن ومنها اتفاقية الشراكة الأوكرانية الأوروبية وإنشاء منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي لذا سارعت روسيا بوقف صادراتها من النفط عبر الموانئ الأوكرانية إذ تحصل أوروبا على ربع احتياجاتها من الغاز من روسيا من خلال شبكة من الأنابيب تمر عبر الأراضي الأوكرانية فى الوقت الذى يرابط فيه الاسطول البحرى الروسى فى الموانئ الأوكرانية مقابل اتفاق بتزويد أوكرانيا بالغاز بأسعار مخفضة وهو اتفاق تم توقيعه بين الرئيس الروسى السابق ديمترى مدفيديف والرئيس الأوكراني الهارب الى روسيا فيكتور يانوكوفيتش على هامش القمة التى جمعتهم فى مدينة خاركوف الاوكرانية ومنذ عام الماضى اقيمت قاعدة بحرية روسية فى ميناء سياستوبول.
ان الوضع فى أوكرانيا يحتاج لتحرك دولى من أجل رفع الوصاية الروسية وهذا الوضع الذى أسموه (انزلاق يؤسف الى الخلف ) والخوف الروسى من تقوية الناتو فى منطقة البحر الأسود والعمل على تغيير موازين القوى خاصة وان العلاقات الروسية الاوروبية فى تدهور مستمر علاوة على نظرة بوتين الى الامن الاوروبي بأنها قارة مجزءة تهيمن عليها الكتل ( بسبب تأثير الولايات المتحدة على الأمن الأوروبى ) واذا سارعت اوكرانيا الى عضوية الناتو فهناك المادة الخامسة من الناتو فى الدفاع عن اعضاءه هنا ربما تحدث سيناريوهات اخرى لحرب قادمة !
وما اود قوله مثلما قال السفير الاوكرانى بالقاهرة هينادى لاتى وبعد زيارة وزير الخارجية الاوكرانى لمصر بافلو كليمكين بان علاقات مصر مع روسيا علاقات استراتيجية وتعمل مصر على تطوير علاقاتها سواء مع الجانب الروسى وكذا الاوكرانى خاصة وان مصر اعترفت بدولة اوكرانيا منذ عام 1992 فهناك علاقات مصرية اوكرانية متميزة ويسعى هينادى لاتى السفير الاوكرانى بالقاهرة الى تسريع منحنى العلاقة بصورة أكبر وأشمل.
والتساؤل الذى أود طرحه هل تلعب مصر دورًا سياسيًا فى تلك الازمة ولاننسى الشاعرة الأوكرانية ليزا اوكرانيكا التى كانت تتلقى علاجًا طبيًا فى مصر خلال وقت مبكر من القرن العشرين وكتبت أجمل قصائدها فى مصر !؟
إن كرة الثلج إذا تدحرجت ربما ستصيب الجميع !
فارقصى يا اوكرانيا فقلبك من نار مع الاعتذار للرئيس الفرنسى الراحل جاك شيراك!
نشر هذا المقال على موقع صدى البلد فى 17 مايو 2018