تقارير : “عين ” روسيا لاتنام عن البحر الاسود قصة صراع مع تركيا والناتو !
إحدى أكثر المناطق توترًا في العالم وأكثرها تسلحًا أيضًا، لطالما اعتبرته روسيا منطقة استراتيجية لها، وليس ذلك بغريب فهو حلقة الرابط بين أوروبا والشرق الأوسط ومدخل روسيا الوحيد إلى البحر الأبيض المتوسط. كان البحر الأسود ذات يوم بحرًا داخليًا للإمبراطورية العثمانية، فأصبح الآن منطقة صدام بين ثلاث إمبراطوريات قديمة جديدة، من روسيا إلى تركيا وانتهاء بحلف الناتو، يمثل البحر الأسود لكل منهم أهمية استراتيجية وحيوية ومجالًا أساسيًا للنفوذ والهيمنة.نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مؤخرًا تقريرًا يتحدث عن الأهمية المتزايدة للبحر الأسود، خاصة في ظل الصراع الدائر في أوروبا الشرقية وروسيا
تتعدد استخدامات البحر الأسود من قبل السكان المحليين للمناطق المجاورة القريبة من البحر، حيث يتميز البحر بموقعه الاستراتيجي المميز بين الدول والذي يربط العديد من الدول مع بعضها البعض، ويمكن استخدامه في العديد من المجالات المختلفة كما يأتي:
قنوات لنقل البضائع القانونية أو لتهريب البضائع غير القانونية مثل المخدرات والمواد المشعة.
موانىء للعديد من السفن التجارية والسياحية، فهناك حوالي 30 ميناء تجاري وفقًا لاحصائيات الاتحاد الدولي لعمال النقل في عام 2013م، ومن أهم الموانىء أوديسا في أوكرانيا وسيفاستوبول في القزم ونوفوروسيسك في روسيا وكونستانتسا في رومانيا وطرابزون في تركيا.
أسطول للنقل التجاري، فهناك حوالي 2،400 سفينة تجارية تعمل داخل البحر. صيد السمك وخاصةً في فصل الشتاء ما بين شهري نوفمبر وديسمبر.
استخراج البترول والتنقيب عنه في الجزء الغربي من البحر في منطقة أوكرانيا، وعقد العديد من الاستثمارات الأجنبية لاستخراجه.
إقامة المنتجعات السياحية لجذب العديد من السياح وزيادة النمو الاقتصادي في المنطقة، وتنتشر على ساحل البحر للعديد من الدول المجاورة له، ومن أهم المنتجعات منتجع كريميا ومنتجع كوساسيوس
لم تكن الاتفاقية مريحة للاتحاد السوفييتي، فما زالت تركيا تتحكم فعليًا في أهم رئة للاتحاد السوفييتي وهي المضايق. أراد الاتحاد السوفييتي فتح باب التفاوض فيما يخص اتفاقية مونرو، حيث أراد الروس الحصول على قاعدة عسكرية على الأراضي التركية ومشاركة السيطرة على المضائق مع تركيا، وعرفت هذه الأزمة بأزمة المضائق التركية. طلبت تركيا المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وحركت أمريكا عدة قطع بحرية إلى المنطقة. في النهاية تراجع الاتحاد السوفييتي، وكانت هذه الأزمة أحد أهم أسباب انضمام تركيا واليونان إلى حلف الناتو، ونشوء عقيدة ترومان الهادفة إلى احتواء نفوذ الاتحاد السوفييتي.استمر التوتر قائمًا في المنطقة طوال الحرب الباردة، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 بدأت تفقد المنطقة أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للغرب، ولكنها ظلت من أهم محددات النفوذ الروسي حول العالم.اقرأ أيضًا:4 خرائط تستشرف معك مآلات العام الجديد وكان أهم حدث استراتيجي في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة، هو اتفاق بودابست عام 1994، والذي وافقت فيه أوكرانيا على إزالة الأسلحة النووية الموجودة على أرضها مقابل ضمانات أمنية بوحدة أراضيها من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، ورغم نجاح هذه الاتفاقية بقيت القرم ورقة تفاوض مهمة بين روسيا وأوكرانيا.في عام 1954 أعطى نيكيتا خروتشوف القرم كهدية إلى أوكرانيا بمناسبة مرور 300 عام على دخول أوكرانيا تحت مظلة روسيا القيصرية. احتفظت روسيا بقوات عسكرية في سيفاستول عاصمة القرم وكانت تلك المدينة المقر الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي وهو الأسطول الروسي الوحيد في المياه الدافئة. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي تتمتع القرم بوضع حكم ذاتي تحت السيادة الأوكرانية، وبقيت الروابط قوية للغاية بين سكانها وبين روسيا.
و هناك ايضا العديد من السمات التي يتميز بها البحر عن غيرها من البحار الموجودة في العالم، والتي تجعل من بحرًا مختلفًا عن غيره من البحار، عدا عن تسميته الغريبة نوعًا ما، ويمكن تلخيص أبرز سمات هذا البحر كما يأتي:
يتغذى البحر الأسود بشكل رئيس من عدد من الأنهار أهمها نهر دنيبرو ونهر بوه ونهر دنيستر ونهر الدانوب، وتقوم الأنهار التي تتدفق من الجهة الشمالية للبحر الأسود بحمل الكثير من الطمي والرواسب التي تُشكّل الدلتا أو السهول الفيضية والرمال وبعض من البحيرات على الساحل الشمالي للبحر الأسود.
يتميز الساحل الجنوبي للبحر الأسود بأنه حاد وصخري على عكس الساحل الشمالي الرملي. يحتوي على طبقتين اثنتين من المياه التي تتميز بكثافاتها المختلفة، حيث تكون الطبقة السفلية للمياه شديدة الملوحة وحركتها قليلة، كما أنها تحتوي على كبريتيد الهيدروجين، ولا توجد فيها حياة بحرية أبدًا.
تتميز الطبقة العلوية لمياه البحر بأنها أقل ملوحةً ومليئةً بالأسماك، كما أن المياه فيها تتدفق مع اتجاه عقارب الساعة حول البحر، وفيها القليل من حركات المد والجزر.
تغير النظام البيئي للبحر الأسود بسبب التلوث والصيد الجائر، وهذا دفع الدول المجاورة للبحر لوضع حد لجميع الانتهاكات البيئية للبحر. يتعرض البحر في فصل الشتاء إلى عواصف حادة، ويكون البحر خاليًا من الجليد، بينما تنتشر المياه في فصل الصيف
وقد عادت روسيا إذن إلى البحر الأسود كقوة إقليمية مهيمنة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي والتراجع الأوروبي. فهل يستطيع الكرملين تأمين طريقه إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق مضاعفة وجوده في طرطوس، وهل يستمر الكرملين في مضاعفة وجوده العسكري في القرم وشرق أوكرانيا وزيادة الضغط على بلغاريا والناتو، بينما يحاول مزج علاقات أكثر قربًا مع الجانب التركي لضمان أمن المضائق التركية؟بالنسبة لروسيا ما تزال الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود هي نفسها منذ العام 1853، تأمين الوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط وموازنة الوجود الأمريكي والأوروبي في كلا البحرين، فهل تخرج روسيا القيصرية مرة أخرى إلى المياه الدافئة،
أهمية القرم الاستراتيجية بالنسبة لروسيا
وعلى جانب اخر تكتسب شبه جزيرة القرم (المساحة: 26000 كيلومتر مربع) أهميتها الاستراتيجية من تموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيق البسفور من جهة، والقوقاز من جهة أخرى.
تكتسب شبه جزيرة القرم (المساحة: 26000 كيلومتر مربع) أهميتها الاستراتيجية من تموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز – بما في ذلك شمال القوقاز الروسي – من جهة أخرى.
الخلفية التاريخية
على مدى التاريخ كانت القرم تعتبر ملتقى للمصالح الاستراتيجية لدول عدة، في مقدمتها روسيا وتركيا، والدول الأوروبية الكبرى. ودخلت إمارة القرم تحت السيادة الروسية عام 1783، في زمن حكم الإمبراطورة كاثرينا الثانية بعد انتصار روسيا على الدولة العثمانية. وفيما بعد أصبحت شبه الجزيرة مسرحا لمعارك شرسة في كل من الحرب الشرقية (1853-1856)، التي خاضتها روسيا ضد تحالف بمشاركة كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا ومملكة سردينيا، والحرب العالمية الثانية (1941-1945).
وسجّلت معارك الدفاع عن مدينة سيفاستوبول، المقر التاريخي لقواعد أسطول البحر الأسود الروسي، في كلتا الحربين صفحات مجيدة في التاريخ الوطني.
ملف أسطول البحر الأسود
منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتقاسم أسطوله في البحر الأسود بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا (“وريثة” شبه جزيرة القرم بموجب قرار إداري بتسليمها إلى أوكرانيا السوفييتية اتخذ عام 1954 بمبادرة من نيكيتا خروشوف)، أصبحت شروط بقاء الأسطول الروسي في القرم موضوعا حساسا في العلاقات بين موسكو وكييف، وتم تحديد وضع الأسطول القانوني من خلال سلسلة من الاتفاقيات بين الجانبين.
كانت القوى المناهضة لروسيا في أوكرانيا، ومنها زعماء “الثورة البرتقالية” الموالية للغرب (عام 2004)، قد طرحت مرارا مسألة إنهاء بقاء الأسطول الروسي في شبه الجزيرة. لكن الاتفاقية التي وقعها رئيسا البلدين في مدينة خاركوف الأوكرانية عام 2010 مددت مدة مرابطة الأسطول الروسي حتى عام 2042، مقابل دفع روسيا مبلغا مقداره 100 مليون دولار سنويا كأجرة لقواعدها البحرية في سيفاستوبول.
تصفية الخطر المحدق
جاء الانقلاب الأوكراني الأخير الذي أوصل للحكم في كييف قوى لا تخفي عداءها لروسيا ليهدد من جديد بقاء الأسطول الروسي في شبه الجزيرة، الأمر الذي أثار قلقا مشروعا في موسكو وكان من أبرز دوافع دعمها لحراك شعب القرم ضد الانقلاب وتعبيره عن إرادته الانضمام إلى روسيا، إلى جانب دافع حماية الروس من هجمات القوميين المتشددين.
لا شك أن قبول انضمام القرم إلى روسيا سمح لها بإزالة الخطر المحدق بوجودها العسكري في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لها، كما أنه رفع هيبتها كدولة تدرك مصالحها وتقدر على حمايتها.. وإن كره الكارهون.