تقارير : كارثة ميناء بيروت تُعري قصور آليات تنظيم الملاحة البحرية الدولية !
كرس انفجار مرفأ بيروت لشحنة مواد متفجرة وصلت قبل سنوات على متن سفينة جورجية – إن لم تكن بلغارية أو مولدافية – قد أُهملت من قبل نظام المراقبة، ومالكها متوار عن الأنظار حتى اليوم، قناعة بأن المحيطات تشكل مناطق منفلتة ومسرحا لكل أنواع عمليات الاتجار خارج نطاق القانون.
ومع أن هناك قواعد تنظم حركة الملاحة في المحيطات والمياه الإقليمية، تصل لحد مراقبتها بالأقمار الاصطناعية، وتشرف على تنفيذها المنظمة البحرية الدولية بالتعاون مع السلطات في كل دولة، لكن ثمة بُطئا في التصديق على بعض الاتفاقيات وتراخيا في المراقبة.
هيلين سامسون: لو كانت السفينة روسوس خاضعة للأنظمة لما أبحرت
وتشير تقارير دولية ومختصون إلى أن عدم القيام لفترات طويلة بتلبية الشروط المطلوبة لدخول الاتفاقيات حيز التنفيذ، وكذلك انتفاء الآليات اللازمة للتحقق من مدى التقيد بها، من العوامل التي تحول كلها دون مراقبة نقل السلع، وخاصة التي تشكل خطرا، بطريقة مجدية، وهذا بدوره يحول دون جني كل الفوائد المتوخاة من الإجراءات الصادرة عن المنظمة البحرية الدولية.
وحرك الانفجار الناجم عن كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت مطلع الشهر الماضي، حيث أدى إلى سقوط 200 قتيل وآلاف الجرحى وتدمير أحياء برمتها، مراكز الأبحاث لتسليط الضوء على المشكلة، والتي قد تتكرر في أي وقت إذا لم يقم المجتمع الدولي بتشديد عمليات المراقبة أكثر مما هي عليه اليوم.
ولم تجد السلطات اللبنانية تبريرات لشرح أسباب مصادرة شحنة كانت على متن سفينة “روسوس” بعد توقفها في مرفأ بيروت في نوفمبر 2013، وقد واجهت انتقادات حادة على إثر الانفجار، الذي سلط الضوء على الفساد المستشري في هذا البلد.
وترى هيلين سامسون مديرة المركز الدولي لأبحاث البحارة في جامعة كارديف البريطانية أن هذه الكارثة تكشف مشاكل أخرى. وتقول “لو كانت السفينة روسوس خاضعة للأنظمة بشكل سليم لما تمكنت من الإبحار والوصول إلى بيروت، حيث صادرتها” سلطات المرفأ.
وأضافت في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية “يمكننا الافتراض بأن السفينة ما كانت لتذهب من مرفأ بيروت وأن حمولتها ما كانت لتفرغ.. على كل حال، هذا المثال يكشف أوجه قصور النظام الحالي لضوابط الملاحة البحرية”.
وكانت السفينة “روسوس” المصنعة قبل ثلاثة عقود ترسو أساسا في مرفأ جورجي مع عنوان بريدي في بلغاريا، وترفع علم مولدافيا. وهذا البلد الذي لا منفذ له على البحر مدرج على اللائحة السوداء لـ”مذكرة تفاهم باريس”، وهي منظمة تضم 27 دولة تصنف الأعلام، التي ترفعها السفن بحسب معايير أمنية وبيئية واجتماعية.
وتقول سامسون إن أكثر من سبعين في المئة من الحمولات التي تجوب البحار ترفع سفنها أعلاما مصنفة بصنف “تسجيل حر”، أي إنها على سفن مسجلة في مناطق أخرى غير بلدها الأصلي، لكن مصداقية هذه الأعلام، التي تسمى أيضا “أعلام ملاءمة”، متفاوتة.
وحاليا، تضم القائمة السوداء لمذكرة تفاهم باريس 17 اسما، من بينها؛ توغو ومنغوليا وأوكرانيا. ويحصي الاتحاد النقابي الدولي للنقل البحري من جهته 35 علما خطرا منها، علم بنما أشهر وأهم أعلام “الملاءمة” في العالم. وبحسب شركة لويدز فقد رفعت حوالي 9367 سفينة هذا العلم في نهاية العام الماضي، أي أكثر بمرتين من الصين.
ولكن الأمر لا يقتصر فقط على العلم. ويفيد تحقيق أجرته مجموعة الصحافيين أو.سي.سي.أر.بي أن المالك الحقيقي لسفينة “روسوس” وهو صاحب أسطول بحري قبرصي يتخفى وراء شركات وهمية.
ويبدو أنه أجّر السفينة عبر شركة مسجلة في بنما لوسيط روسي مفلس هجر السفينة في نهاية المطاف مع طاقمها وحمولتها الخطيرة. ويؤكد التحقيق نفسه أن الشركة التي أصدرت شهادة لسفينة روسوس بأنها قابلة للإبحار هي مملوكة في الواقع لمالك سفن قبرصي يدير أسطولا وشركة تمنح تراخيص الإبحار
نقلا عن العرب اللندنية