الخبير البحري د.ربان حمدى العربي ل”eBlue Economy ” (السفن الذكية Autonomous ) فى ظل الثورة الصناعية الرابعة
لقد أصبح العالم مترابطا بشكل غير مسبوق عن طريق التجارة العالمية والمعتمدة أساسا على صناعة النقل البحرى , ومازالت التجارة العالمية آخذة في الإزدياد والتوسع والنمو مع إرتفاع متوقع لزيادة في حجم البضائع المنقولة بحرا بمقدار الثلث تقريبا حتى عام 2030
ويمكن أن نتوقع ازدحاما مروريا كبيرا (ان صح التعبير) في المحيطات والبحار حول العالم مما يزيد من احتمالية وخطر حوادث التصادم وسنصل في هذا التحقيق الي بعض التفاصيل المتعلقة بنسبة مشاركة العنصر البشري في الحوادث البحرية (90% تقريبا) وتصل تكلفتها الى مايزيد عن 1.5 مليار دولار كمطالبات تأمينية سنويا.
مع إنطلاق الثورة الصناعية الرابعة والتى هى في مبناها قائمة على الذكاء الإصطناعي بشكل رئيسي والذي يمكننا تعريفه ببساطة على أنه تكنولوجيا يمكنها القيام بكل العمليات التى لم يكن من الممكن القيام بها الا بواسطة انسان ….. وبظهور الطائرات بدون طيار والسيارات بدون سائق , ظهر السؤال المنطقي: هل من الممكن ابحار سفينة بدون طاقم؟
لقد تمكن الذكاء الإصطناعي من تعزيز أداء قطاع النقل والخدمات اللوجيستية بنسبة كبيرة جدا وفي ظل الطفرة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وأنظمة التحكم المتطورة جدا ,أصبح التفكير في (السفينة الذكية) من بديهيات مستقبل النقل البحرى , ستكون هناك ثورة حقيقية في تصميم السفينة وطرق تشغيلها , وسيواكب هذه الثورة بالضرورة ثورات مصاحبة في القوانين البحرية والمعاملات التجارية والمسؤوليات التأمينية والمعاهدات…..
هذا مااشار اليه الدكتور ربان حمدى العربي الخبير البحري الدولى فى حواره
مؤكدا ان النقل البحرى الذكي Smart (Autonomous) Shipping هى
سفينة ذاتية الإبحار ومستقلة تماما وبدون طاقم Smart Ship (السفينة الذكية) ولها عدة مستويات في ذاتية التشغيل و الإستغناء عن العنصر البشري
ويشرح يقوله ان هناك ثلاث مستويات وهى
المستوى الأول: الأجهزة على السفينة تجمع المعلومات والبيانات وترسلها عن طريق الأقمار الصناعية إلى مركز التحكم عن بعد (بالبر) ويقوم الشخص المناوب باتخاذ القرارات اللازمة (هو يصنع القرار) ويرسل الأوامر إلى أجهزة التحكم بالسفينة عن طريق الأقمار الصناعية – إدارة وتحكم عن بعد والقرار مازال انساني
المستوي الثاني: الأجهزة على السفينة تجمع المعلومات والبيانات وترسلها عن طريق الأقمار الصناعية إلى مركز التحكم عن بعد (بالبر) ولكن المستقبل هنا يكون جهاز كمبيوتر (منظومة تحكم) تقوم بتحليل البيانات بسرعة فائقة وتساعد الشخص المناوب في إتخاذ القرار وتؤثر فيه بقوة , ثم الإرسال إلى أجهزة التحكم بالسفينة (القرار مشترك آلى – إنساني)
المستوي الثالث: نفس ماجرى سابقا إلا أن المنظومة المستقبلة تتخذ القرار باستقلالية تامة وبعيدا عن ان تدخل بشرى وترسل القرار الى أجهزة التحكم بالسفينة للتنفيذ , كذلك دون أى تدخل للعنصر البشرى
كيف هو الحال في حالة حدوث أعطال سؤال طرحناه ؟
بالطبع سيكون لكل جهاز على السفينة بديلين على الأقل (Redundancy) كما هو الحال منذ سنوات على السفن والحفارات والمنصات المستخدمة في حقول البترول والتي تعمل بنظام (DP Dynamic Positioning)
وفي حالة حدوث أي عطل على السفينة سيتم التعامل معه أوتوماتيكا وذاتيا على السفينة أوكذلك عن بعد كما يوضح الشكل التالي على سبيل المثال في صورة مبسطة:
هل السفينة الذكية (Smart Ship) والمسيرة آليا بدون طاقم هى المستقبل؟
يقول الخبير والمحكم البحري د . ربان حمدى العربي وهو ايضا ربان اعالى بحار
أقول وأكرر بكل ثقة ما قلته في مؤتمر الأكاديميات البحرية بدبي منذ سنوات قليلة وبحضور العديد من رؤساء الأكاديميات البحرية بالعالم :
نعم – السفينة الذكية ليست خيال ولا فكرة بل أصبحت واقع , وسريعا جدا (في خلال 10 سنوات) ستكون السفن الذكية تملأ بحار العالم ….
والحقيقة أن أكثرهم, قد عارضوني بل وصل بعضهم إلى استبعاد الأمر وانه جنون , وإننا في أحسن الأحوال نحتاج الى 80 سنة ليتحول هذا الحلم إلى واقع.
ايماني بأن هذه السفن الذكية هي المستقبل القريب جدا , نابع من الحقائق التالية والتى ستدفع بمن يحركون دفة الاقتصاد بالعالم (الرأسماليين والمستثمرين وشركات التأمين) للإستثمار وبقوة في هذا المجال لأسباب كثيرة أذكر بعضها:
Ø تكلفة الطاقم تمثل 44% من إجمالى تكلفة تشغيل السفينة على المالك , وهذا رقم مغرى لكل ملاك السفن ليتحولوا الى السفن الذكية مهما كانت تكلفتها الاولية , فالوفر ضخم على المدى المتوسط والبعيد
Ø السفينة لن يكون عليها أماكن للإعاشة Crew Accommodation وبالتالى فإن المكان يمكن استخدامه بالكامل لتحميل بضائع أكثر, مما يعني نولون ودخل أكثر
Ø تقليل الحوادث بنسبة كبيرة جدا , حيث أن العنصر البشري في الحوادث البحرية يشكل نسب لا يستهان بها:
التصادم 89% – 96%
الحريق والإنفجار 75%
الجنوح (الشحط) 79%
حوادث الناقلات وتسريب الزيت 84% – 88%
ويمكن الرجوع إلى الإحصاءات الأحدث والأشمل على المواقع المتخصصة
Ø إختفاء المطالبات بسبب الطاقم والتى كانت تأتي في المرتبة الثانية في المطالبات بعد مطالبات البضائع
Ø أدوات ومعدات السلامة (هل هناك داعي لوجودها؟
Ø وفي ظل ظهور المواني الذكية واستخدام الإرشاد الذكي والتراكي الذكي على أرصفة معدة بقوة مغناطيسية لإبقاء السفينة على الرصيف لحين إنتهاء العمليات , سيغني عن وجود حبال وأسلاك للرباط
والكثير الكثير من أوجه التوفير وخفض التكلفة وتقليل المشاكل والحوادث المصاحبة بالضرورة لوجود طاقم على السفينة كتأشيرات السفر والنزول للبر والمشاكل الشخصية وإحتمالية تسرب بعض الإرهابيين إلى السفن.
ثورة في القوانين والمعاهدات والتعليم والتدريب البحري ستكون مصاحبة لوجود السفينة الذكية , وقد تم في فبراير 2017 إجتماع سبع دول تحت مظلة الأمم المتحدة والمنظمة البحرية الدولية , ونتج عن هذا الإجتماع الإتفاق على وضع إطار عمل لمراجعة كل القوانين والمعاهدات البحرية وتعديل ووضع ما يناسب الحفاظ على إبحار سالم و آمن ونظيف للسفن الذكية…….
وهذا سيمس بشكل مباشر:
SOLAS – STCW – MARPOL – COLREGS – MLC – UNCLOS
وكذلك معاهدات المسؤوليات المدنية وعقود الإيجار والمشارطات وبوالص الشحن
- CLC – LLMC – WRC – Hague Rules, Visby Protocol, Hamburg Rules, Rotterdam Rules, Ship Arrest Convention, Salvage Convention
وحول مخاطر القرصنة واختطاف السفن بالطريقة الكلاسيكية التقليدية وتحت تهديد السلاح
يؤكد انه سيصبح من التاريخ, وسيحل محله نوع آخدر من القرصنة Cyber Piracy
حيث أن أي قرصان معلومات (Hacker) يمكنه السيطرة على السفينة من على البر بواسطة الموبايل كما يحدث في حالات السيطرة على الطائرات المسيرة آليا باختراق الترددات التى تعمل عليها ثم تدميرها أو انزالها والسيطرة على ما فيها من المعلومات
ويمكن لهذا القرصان توجيه السفينة الى حيث يريد والمطالبة بفدية وما إلى ذلك , وهذا سيستلزم مستوى ومعاهدة جديدة في الأمن على السفن وبالمواني ISPS
حتى الأدبيات البحرية والتى تحكي معاناة البحار الذى يترك وطنه وأهله ومحبوبته ويجوب البحار في المخاطر ويزور مواني ودول العالم بشكل مجاني ويعود الى وطنه محملا بالحكايات والمغامرات التى لا يصدقون أى منها
حتى هذه الأدبيات … ستختفي
في تقديري: المرحلة الأخطر في طريق تحول صناعة النقل البحرى إلى الذكاء الإصطناعي والسفن الذكية هى الفترة التى ستكون فيها نصف سفن العالم ذكية وتدار ذاتيا أو عن بعد بدون طاقم عليها , والنصف الآخر سفن مازالت تحمل على متنها أطقم كاملة لإدارتها وتشغيلها والابحار بها في أمان
مثال: سفينة ليس عليها طاقم وتدار ذاتيا اصطدمت بسفينة تقليدية عليها طاقم…..
كيف سيتم توزيع المسؤولية Whom to be blamed؟!
السؤال الأكثر أهمية الذى يلح على الكثير ما هو مصير العمالة البحرية في ظل السفن المسيرة آليا؟!
على مدار التاريخ وباستمرار التطور التكنولوجي كنا نواجه هذه المعضلة الإجتماعية: (الماكينات تحل محل الإنسان)
ونخاف مما سيلحق بالانسان عندما يفقد عمله بسبب اختفاء المهنة نفسها بالكامل , ولكن… تفاجئنا البشرية دائما بأنها عندما ينغلق باب, ينفتح مكانه عشرات الأبواب….سيظهر مواكبا لهذه الطفرة صناعات ومهن أخرى نحتاجها لتطوير هذه الصناعة الجديدة وسيكون العمل البحرى أكثر أمانا وليست به معاناة الفراق , علي سبيل المثال:
من سيديرون السفن من غرف التحكم بالبر
العاملون في مجال صناعة الحساسات Sensors والأجهزة للسفن الذكية
بناء السفن الذكية
العاملين بالصيانة الدورية للسفن (5 سنوات – 10 سنوات ….الخ)
وغيرها كثير من الصناعات التي ستظهر حتما وتحتاج الى بشر ولكن من نوع خاص في التعليم والمهارات والآمكانيات الذهنية
المستقبل بدأ بالفعل, والسفن الذكية قادمة لا محالة وفي وقت قريب جدا ستملأ البحار والمحيطات , والتجاهل والإنكار والمقاومة لن تجدي ……